-1-
أقدامهم في لهاث الأرض تكافح، وتنزلق، وفي أيديهم المتخشبة، أخاديد الحصاد المتواضع لسنابل القمح، والشعير، يشمُّ منها رائحة مرارة الفقر، والدم والقروح.. بيوتهم الطينية الواطئة، ذات الأبواب الخشبية المُفلَّقة، بمطارقها البرونزية الثقيلة، تغصُّ بالعديد من الأطفال الحفاة، الباكين، الصارخين.. المشعثي الشعر، الباحثين بلهفة عن الشبع، وقطعة الحلوى، وكرات المرح، في الأزقة المغبرة تارة، والموحلة في معظم أيام الشتاء تارة أخرى.. يتجول فيها الذباب، والبعوض، والمرض.
والموت المتعطش دوماً لأراوح الصغار، يتقحم في براءة الليل، وعند وميض النجوم، وصوت المطر، وعويل الرياح.. يحصد الفقراء المتعبين في هذه القرى البائسة، المتناثرة على الكتف الشرقي لوادي الرقاد.. حيث النسوة لا تبدل (شروشها) المهترئة السوداء، المناسِبة، لكل مناسَبة.
[size=12]أيدي الصبايا المصبوغة بالحناء، من أجل طقوس احتفالية، لزفاف ساذج قسري، يدخل في مسامات عذابات صراع فض البكارة، المعلن بالزغاريد المحتشدة خارج الباب، وعلى العتبات المخلّعة، وصراعات نيل اللقمة.. وانهيارات الأحلام المتواضعة في الأزمنة الصعبة.. فتنقلب الحناء إلى مزيج من ألوان قبيحة الرائحة.. يفحها روث البقر، من تحت أناملهن، وهن يصنعن من الزبل أرغفة لشدق الشتاء.. فوحش الصقيع، سيقبل مزرق الشفاه.. يلسع الأجساد بسياطه البرقية، المفرقعة.. فتصبح وجوه الشباب، مصاطب لساحات صاخبة بالهجرة المتواصلة، المسافرة، إلى مفاصل المدن الكبرى.. تهرس ظهورهم برادع العتالة، وتسلق السقالات، والتأرجح عند مصاطب الغيم.. تنخر أسنانهم علب السردين الزنخة، وتنفخ بطونهم أقراص الفلافل المتسخة بالزيت الأسود المحروق، وتفح أفواههم بنتن حثالات التبغ.