-1-
حاول زملاؤه إقناعه بعدم السفر في هذا الطقس الحار بسيارته الجديدة ولكنه كان عنيداً، كان يرغب أن يشاهده أبناء حيّه وهو في سيارته الجميلة يروح ويجيء، مع أفراد أهله المدقعين فقراً.. كما كان قلقاً على أمه وليس من حجز مؤمن بسرعة على الطائرة.
اجتاز عامر مسافة الطريق البحري قبل أن يبدأ الطريق الصحراوي، وتبدأ معه الهواجس التي اجتاحته بشدّة، وهو يرى أن عدد السيارات العابرة قد قلّ كثيراً، حتى أنه انعدم في بعض المناطق..
وقبيل المغرب بقليل وصل إلى استراحة صغيرة.. لم ير أيّاً من السيارات أمامها.. أوقف سيارته وهو يشعر بالندم.. اقترب منها يبحث عن أحد فيها بدت له كأنها مغلقة وفجأة سمع صوتاً خلفه:
- نعم.. ماذا تريد؟
رأى رجلاً كهلاً يرتدي لباساً خفيفاً:
- أريد أن أجلس قليلاً وأتناول شيئاً من الطعام.. يا عم..
- لا أحد لديّ هنا.. وأنا رجل لا أرى جيداً.. لا أستطيع أن أخدمك
- زجاجة مياه غازية، وبعض(البسكويت)
- تفضل خذ ما تشاء.. الأسعار تجدها أمامك.
- حسناً.. ألا أحد يعمل لديك هنا؟
- في الصيف تخفُّ الحركة كثيراً.. فأستغني عن أحد الخدم نهائياً.. والخادم الآخر ذهب لإحضار بعض اللوازم.. وسيعود بعد المغرب بقليل..
- غريب.. كأن السيارات لا تمر من هنا..
- إنه وقت سيء للسفر يا بني.. درجة الحرارة تقارب الـ(60ْ) في الظلّ..
- يجب أن أذهب إلى أهلي.. منحوني الإجازة السنوية في هذا الوقت.. تفضل الحساب أمامك يا عم..
-أتريد متابعة طريقك الآن؟ انتبه جيداً، لا تسرع كثيراً، هناك بعض المناطق غير مضاءة من الطريق.
- شكراً لك يا عم..
كان عامر شاباً لم يتجاوز الثامنة والعشرين أنهى دراسته الجامعيّة في كلية الهندسة الكهربائية والميكانيكية، وأنهى خدمة العلم، وأخذ إجازة بلا راتب من عمله ليلتحق بإحدى الشركات العاملة في الخليج.. براتب شهري حسده عليه الكثيرون..
كانت هذه هي المرة الأولى التي يعود فيها إلى بلده بعد غياب قارب السنتين، وقد ألحّت عليه والدته أن يأتي ليراها فهي تعاني المرض والشيخوخة، وقد تنتهي حياتها فجأة..
ورغم أن أخوته طمأنوه على والدته، ولكنَّ إحساساً خفيّاً جعله يقدّم طلب إجازته السنوية إلى مديره المباشر، الذي وافق عليها بسرعة كبيرة وهو يرى لهفة عامر وقلقه على أمه..
بدأ الظلام يلتف وأضواء السيارة تشق الظلمة في منطقة معدومة الإنارة.. شعر عامر بالقلق والخوف، مازال أمامه ساعات حتى يصل الحدود، ربما استغرق الليل بطوله..
بعد نحو ساعة والظلام يشتد شعر بهواء يعصف في الخارج، كانت الرمال تُشكل سحباً بعيدةً.. كأنها زوابع بدت على أضواء
السيارة أشبه بأشباح عملاقة..
عاوده شعور بالخوف الشديد، وتمنى لو لم يقم بهذه الرحلة وحده.. ازدادت الزوابع والسيارة تنطلق على الطريق، وبعد فترة قصيرة بدا وكأن بعض الزوابع الرملية تقترب من الطريق، وربما ستلفُّ السيارة بالرمال لم يدرِ ما يفعل، ولكن رجله استمرت تضغط على(دواسة) البنزين.. والسيارة في سرعتها الكبيرة.. لم يشعر كيف تحركت تلك الزوبعة صوبه وكيف لفّت السيارة وابتلعتها
شعر أنه يدور ويدور والسيارة ترتفع به.. ثم أحس بصدمة كبيرة وغاب عن الوعي.. وشعر كأن أشباحاً حوله.. تدور وتهمس بلغة غريبة، وأن الأيدي تنتشله وتشده.. وصحا بعد فترة لم يدر أكانت طويلة أم قصيرة.. ..............
تنزيل نسخة مضغوطة عن الكتاب
http://www.awu-dam.org/book/99/novel99/144-t-a/144-T-A.zip
....................................................تحياتي.....................................