التقديم والإهداء
يقول ابن القيم في التربية: فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من الآباء وإهمالهم لهم، فأضاعوهم صغاراً، فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كباراً.
من هذا المدخل لكلام ابن قيم جوزية أقدم روايتي، العمل الأول بعد إصدار مجموعتي القصصية الأولى ( رجلٌ في المزاد)، وقد استغرقت معي زمناً غير يسير لأكشف النقاب عن كوامن الطفل النفسية والأسباب المباشرة غير المباشرة في تشرده وضياعه، وذلك من خلال تقديم هذا العمل الروائي والذي استند في مجمل أحداثه على الواقع الدميم الذي تعاني منه مجتمعاتنا، وأجزم بلا شكٍ أن هذه المجتمعات الأسرية تخلق في نفس الطفل انعكاساً إيجابياً عند بعض الأطفال حين ترفض نفسية الطفل واقع حياة الضياع فيبحث لذاته عن مخرج إما بمتابعة التعليم، أو في استقراره على تعلم حرفة أو صناعة ليغدو إنساناً سوياً، على عكس ما سنجده في هذه الرواية.
سها جلال جودت
الجمعة 15ذو الحجة 1424
الموافق 6 شباط 2004
يقول سارتر: (الكاتب يمثل ضمير العصر). والروائية سها جلال جودت أحست بالمسؤولية الأدبية والثقافية والإنسانية تجاه مجتمعها، ولذلك سعت جادة لتكون بمستوى هذه المسؤولية من خلال هذه الرواية الشائقة...
فالرواية تمتاز بكثافة شديدة وحساسية مرهفة أسهمت في تشكيل عالم يمزج الواقع بالرمز والحلم من خلال عبارة رشيقة أقرب إلى الشاعرية وأسلوب ملون دافئ وسبل تعبيرية وفكرية تحتضن الصدق والوفاء للوصول إلى آفاق مزهرة.
إن الخوف، والتمرد، والألم أقانيم ثلاثة تمثل الاغتراب الداخلي لكونها تنغرز في جسد الرواية وأحداثها بفاعلية كبيرة، والكاتبة تصر عبر هذه المحاور المركزية على الانتباه إلى النتائج التي ستصل بها إلى القارئ من خلال واقع مماثل لواقعنا، - هذا إذا لم يكن مطابقاً له- ومن خلال ما تعززه الأحداث في حياتنا ووجودنا، لأن معرفة ما هو حلو إلى جانب ما هو مرٌ فعلاً يعني الكثير الكثير.
إن الرواية تتصدى للمشكلات الاجتماعية من خلال رؤية نقدية تكشف عن معاناة البناء الاجتماعي وتصدعه بسبب سلبيات تنخر في عظامه تستحق التوقف والتدقيق، ذلك لأن من أهم جماليات الرواية هذا الصدام بين ما يجب أن يكون، وبين الواقع الغافي على الظلم المفجر للمعاني اللاأخلاقية التي تعشش في مفازات الجهل والتخلف.
وإن النظر إلى جذور الأزمة في الحدث يعود للواقع التاريخي المتأرجح والانتماء الطبقي... فالبطل ينتمي إلى الطبقة التحتية التي تفرض واقعاً مفسخاً ينعكس سلباً على فكر وسلوك أفراد هذه الطبقة فيظهر الفرد مغيب الفكر والوجدان، حائراً في آفاق مستقبله، ضائعاً في توجهاته وأفعاله، فيضطر إلى التغلغل في ثنايا الشهوات والاسترسال في الاندماج مع أشخاص ليسوا من سنه ولا من مسلكه. إلخ. أهو نداء الفكر أو نداء القلب أو الانهيار الكلي الذي لا مناص منه.
لقد فقد البطل حنان الأبوين والرعاية، وما يكاد يخرج من ظلم حتى يدخل في آخر، فاستسلم للإهانة، ورضخ لشبكة الفعل اللاأخلاقي مما عكس على حياته عدم الاستقرار ورسخ الضياع.
إن هروب البطل من الرديء إلى الأردأ، ومن حياة الممكن إلى حياة المستحيل بسبب ملاحقة المجتمع والسلطة له، جعله يوغل في غياهب الضياع والرذيلة، ولم تنقذه عاطفة مفاجئة أو حب متخيل.
وإن ضياع البطل لا يعود إلى جرأته ورفضه الظلم وبحثه عن حريته، وإنما يعود - في رأيي- إلى عجز وعيه وإهمال مجتمعه لواقعه فبقيت روحه في فراغ هلامي وغدا غير قادر على تحديد الاتجاهات التي تدرأ عنه الجبروت والظلم، ولذلك حط رحاله في مناخات يستعصي فيها الأمل بحياة مثالية نظيفة.
وتؤلف الشخصيات في الرواية متنافرة ومتعاضدة عملاً روائياً ناجحاً؛ فالزمكانية واضحة المعالم، عميقة الأثر؛ والسائد الاجتماعي والطبقي فاعل ومهندس لنمو الأحداث. إن رواية (السفر إلى حيث يبكي القمر) تركز على أهمية رعاية الإنسان، وهي دعوة مهمة من أجل التوازن الاجتماعي، وإصلاح البيئة، وإلقاء الضوء على التناقضات الاجتماعية ومآسيها ومحاولة لدحض العادات والتقاليد البالية، إذ ما الذي نرجوه من إنسان يجد نفسه مطعوناً منذ صغره بحبه وأبوته وأخوته وعلاقاته وحتى في وجوده وإنسانيته؟! كيف سيتشكل؟ وكيف ستكون مواقفه ورؤاه؟ وهو المغتال والمتهم والمطرود؟!
لقد وفقت سها جلال جودت في رواية تواجهنا برؤى معمقة عبر بناء فني محكم ووعي نابه وموقف خلاق، وهي إذ تضع بصمة قوية في هذا الميدان تستحق استقبالاً لائقاً من قبل الروائيين والنقاد والقراء، وهذه الرواية يمكن ضمها إلى كتب المبدعين التي تغني المكتبة العربية وتمتع - بحق- القارئ، وتدفع الباحث والناقد إلى الإعجاب.
هيثم يحي الخواجة
تنزيل نسخة مضغوطة عن الكتاب
http://www.awu-dam.org/book/05/novel05/192---s-j/192---s-j.zip
....................................................تحياتي........................................