هذا هو السؤال
في يوم من الأيام، أنجبت كلبتنا جروين صغيرين. مات أحدهما بعد عشرة أيام من ولادته لأنه كان ضعيفاً، وبقيَ الثاني الذي ماتت أمه هيَ الأخرى، فربيناه بمحبّة. كبرَ الجرو وأصبحَ كلباً مطيعاً، وكنا كل شهر نقيم له عيد ميلاد صغيراً. وندرّبه على مهاجمة الغرباء إذا حاولوا اقتحام المنزل. كان الكثيرون يخافون نباحه، لذا نربطه أثناء النهار ونحلّ رباطه في الليل، فيبقى قرب المنزل ولا يبتعد عنه.
كل صباح كان الكلب يلاعبني وكنت أركض معه حول البستان. فقبلَ ولادته كنت أشعر بكثير من الملل، ولكن وجوده ملأ أيامي وقلبي سعادة. وكم كنت حزينة عندما بلغنا والدي أنّ علينا أن نترك الريف لنسكن في المدينة.
[size=16]بكيتُ كثيراً، واستغربَ والدي لأني كنت منذ سنة مضت أطالبه كثيراً بالعيش في المدينة، ولكن هذا كان قبل ولادة الكلب الرائع.
[size=16]أخبرت والدي أني حزينة لفراق صديقي الحبيب، فوعدني بأن نأتي كل يوم أو يومين لزيارته وإطعامه خاصة، وأنَّ قريتنا قريبة من المدينة، فوافقت.
[size=16]كانَ وداعي له حزيناً لأنه لن يجد من يقوم برياضة الركض معه كل صباح، أو من يداعبه ويرعاه يوميّاً. سيشعر بالوحدة بلا شكّ. تنهّدتُ واعتذرت منه وأفهمتهُ أنّ والدي مضطر إلى السكن في المدينة لأنها أقرب إلى عمله. وكأنه فهمَ ما قلتهُ، فأخذ يلعق رجلي ويمسح رأسه بيدي.
[size=16]حضنتهُ وودّعتهُ، ثم غادرنا.
[size=16]وفى والدي بوعده. وصرنا نذهب إلى الريف كلما سنحت الفرصة. وكم بدا كلبي الصغير سعيداً، يسرع لملاقاتنا عند أول البستان، ويركض مع السيارة حتى نصل إلى الباب. وهكذا، مرت الأيام والشهور، ولم يخلف والدي وعده.
[size=16]ذات يوم ذهبنا إلى القرية، وصلنا باب البستان، لكنّ الكلب لم يظهر.
[size=16]أطلقَ والدي بوق السيارة مراتٍ عدة، ولم يظهر!؟.
[size=16]أبدى والدي استغرابه، فليسَ من عادة كلبنا الحبيب الابتعاد عن البيت!..
[size=16]نظرت إلى والدي، وجدته يحاول أن يخفي قلقهُ وينظر بعيداً. تابعنا سيرنا ببطء، وكلنا ترقب وانتظار، وكم كانت المفاجأة كبيرة، عندما وجدنا صديقنا مستلقياً أمام باب المنزل، لا يتحرك، ناديتهُ بفرح كبير، لكنه لم يتحرك.
[size=16]اقتربنا منه، وجدنا الدماء على بطنه. صرختُ من الحزن وأمسكتُ به، نظرتُ إلى والدي ووالدتي، فوجدت الدموع في عيني والدتي، والحزن في عيني والدي، صرختُ سائلة هل مات؟..
[size=16]في البداية لم يجبني والدي، بل قال: يا ابنتي، لا يموت إلا من يموت حبهُ في قلوبنا. تَرَكنا والدي وأسرعَ إلى البيت فوجدَ بابه مفتوحاً، والكثير من أغراض المنزل غير موجودة، فخرج إلينا وقال:
[size=16]لا تحزنوا... لقد مات الكلب وهو يدافع عن منزلنا، قتلهُ الأوغاد اللصوص لأنه هاجمهم.
[size=16]بكيتُ طويلاً، حفرت للكلب الحبيب قبراً قرب منزلنا، زرعتُ حوله الزهور الجميلة التي تليق بوفائه وشجاعته.
[size=16]هوَ لم يمت حتى اليوم، لأنّ حبهُ لا يزال في قلوبنا.
[size=16]قد تجد الشرطة اللصوص، ويحاكمونهم على جريمة السرقة.
[size=16]ولكن هل سيحاكمهم أحد على قتلهم كلباً أميناً...؟!.
[size=16]هذا هوَ السؤال.