الشّوارب وقف صهيب أمام صورة جدّه المعلّقة على حائط الصّالون، والمؤطّرة بإطار مذّهب لمّاع. كان الجد يضع طربوشاً أحمر، لـه شرّابة سوداء، عيناه لوزيتان أنفه إجاصي، أمّا شارباه فكانا كثيفين ومعقوفين، كجناحي سنونوة. مدّ صهيب أصابعه إلى شفته العليا، جسَّها، كانت ملساء ناعمة، قطّب جبينه، وقال مخاطباً الصّورة: [size=16]-جدّي.. من أين اشتريت شواربك؟ [size=16]ابتسم الجدّ، قال: [size=16]-الشّوارب لا تباع، عندما تكبر ستنبت لك شوارب. [size=16]-لقد كبرت، صرت في الصّفّ الرّابع [size=16]-ما زلت صغيراً، لا تستعجل، ستمرّ الأيّام، ويصبح لك شوارب كشواربي. [size=16]استدار صهيب بنزق، شاهد زينب- أخته التوأم- نائمة على الأريكة وشعرها الأشقر الطّويل ممدد على المخدّة. [size=16]لمعت عيناه، أحضر حقيبته، فتحها، أخرج مقصّاً صغيراً وصمغاً. [size=16]مشى على رؤوس أصابعه، وضع أذنه على باب غرفة نوم والديه، سمع شخيراً، قال: [size=16]-إنّهما نائمان، سأغتنم الفرصة، قبل أن يصحوا من قيلولتهما. [size=16]اقترب من زينب، بهدوء وحذر، ماسكاً المقصّ ذا الشّفرتين الحادّتين، قبض على خصلة شعر صغيرة، وقصّها. [size=16]تنفّس بعمق، ذهب إلى المرآة، وضع صمغاً على شفته العليا، وبدأ يلصق الشّعرات المقصوصة. [size=16]بعد قليل، كان لصهيب شاربان طويلان أشقران. [size=16]نفخ صدره كديك، ومشى متبختراً، عائداً إلى صورة جدّه. [size=16]-انظر يا جدّي، لقد صرت رجلاً. [size=16]تنهّد الجدّ، قال: [size=16]-ألم أقل لك لا تستعجل، لماذا لا تسمع الكلمة؟ أنت ما تزال صغيراً وضعيفاً. [size=16]غضب صهيب، قال: [size=16]- بل أنا كبير وقوي، انظر. [size=16]ركض إلى الطاولة، أزاح عنها الزهريّة، أمسكها من طرفيها، وما إن رفعها حتى اختلّ توازنه، فسقط، وسقطت فوقه. [size=16]هرع إليه الأبوان فور سماعهما الصّوت، بينما جلست زينب تعرك عينيها. [size=16]أزاح الأب المنضدة عن صغيره، اطمأن على سلامته، وطلب منه أن يحكي له ما جرى. [size=16]كانت زينب تعود للنّوم، عندما كان أخوها يروي قصّته، فجأة سمعت عبارة: [size=16]-اقتربت من زينب، أمسكت خصلة من شعرها، وقصصتها. [size=16]نطّت زينب كأرنب، ركضت إليه باكية صائحة: [size=16]-قصصت شعري؟! سأنتف شواربك شعرة شعرة. [size=16]-اتركي شواربي.. آخ.. آخ.. [size=16]أمسكت الأم زينب، أدخلتها غرفة النّوم، قائلة: [size=16]-لا تبكي يا حبيبتي، سيطول شعرك، تعالي، سننام معاً. [size=16]اقترب الأب من صهيب، قال: [size=16]-اسمع يا صغيري، عندما كان جدّك في مثل سنّك، لم يكن لـه شوارب لكن عندما كبر، قوي جسمه، ونبت شاربه، انظر إلى شاربك المنتوف لقد سقط على الأرض لأنّه مزيّف، المفروض أن تأكل وتدرس لتكبر وتصبح "شابّاً مشورباً"، قويّاً بجسمه وعقله. [size=16]اقتنع الصغير بكلام والده، وراح ينتف ما تبقّى من شاربه المزيّف، بينما كان الجد يضحك، وهو يفتل بأصابعه شاربيه الكثيفين والمعقوفين، كجناحي سنونوة. [/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size] |
تنزيل نسخة مضغوطة عن الكتاب
http://www.awu-dam.org/book/02/child02/270-h-a/270-h-a.zip