<table width="100%"><tr><td vAlign=top> ".. وما أدراك ما ليلة القدر؟ ليلة القدر خير من ألف شهر".. كان أبو ديبو يرتل في سره وهو يحمل معوله ويمضي إلى حاكورته التي تتكئ على نهر تورا جنوباً وشارع المالكي شرقاً. "تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر. سلام هي حتى مطلع الفجر" تابع وهو لا يدري لم أفاق وكل ما في ذهنه سورة ليلة القدر.. وما كانوا يروونه، وهو طفل، عن ابن حارتهم الذي طلعت له ليلة القدر فتمنى على الله "عزاً يدوم ومالاً يعوم ونسلاً إلى يوم القيامة يقوم "وصار بعد ذلك في أعلى المراتب، أمواله لا تأكلها النيران... ذريته في كل مكان.. أهو حلم رآه لكنه لا يستطيع تذكره؟ هو لا يدري. كل ما يدريه أنه أفاق على صلاة الفجر وكل شيء من حوله سلام.. عناء الأمس، عذابات اليوم، هموم الغد كلها بدت وكأنها تلاشت دفعة واحدة.. صفاء في ذهنه، سلام في نفسه.. سلام من حوله.. هكذا أفاق وكأنما تنفتح أمامه صفحة جديدة من الحياة، صفحة بيضاء لا لطخة فيها ولا شائبة.. توضأ، صلى الفجر.. أم ديبو ما زالت نائمة، لم يوقظها... ولماذا يعكر ذلك السلام؟ ثم خرج يتنسم أنسام الفجر وقد جاءت عليلة.. تحمل شيئاً من رطوبة الندى، إنعاش الغوطة وبرودة البادية.. "آه، لو تطلع لي ليلة القدر "تمتم متنهداً وهو يضرب بمعوله التربة، وحيداً خالي البال لم يفكر بعد بعذابات اليوم ولا هموم الغد.. ثم لم يرفع رأسه إلا وقد وقع على عينه أول شعاع للشمس. نظر إلى الشرق فإذا به مثلما تنبجس من فوهة البركان حممها الأولى حمراء لاهبة، كانت الشمس تنبجس من الأفق حمراء لاهبة أيضاً.. [size=12]بتوجس وخوف نظر أبو ديبو إلى القرص المتوهج وهو يعلم كم يحمل من قيظ وحر وكم عليه أن يتحمل من ذلك القيظ والحر ليوفر القوت لمن في بيته من أفواه جائعة. "لكن ما لهم الأولاد لا يفيقون؟ "شرع يتساءل وهو يرفع رأسه عن الأرض متوقفاً عن الحفر ناظراً إلى البيت ذي الغرف الطينية الثلاث. أم ديبو تخرج من غرفة المؤونة يهيب بها أن أيقظي الأولاد فتسرع إلى الداخل بعد أن ترمق الشمس بنظرة فاحصة. - ديبو!! فهد!! شاهة!! أميرة! راحت تنادي وهي تطل برأسها فاتحة هذا الباب ثم ذاك.. هيا.. انهضوا.. الشمس الضحى وأنتم نيام.. هيا.. أبوكم يناديكم.. لحظة من لحظات السعادة تعيشها أم ديبو وهي توقظهم كل صباح ثم لا تتركهم إلا وهم ينسلون إلى الحاكورة واحداً إثر الآخر، فاركين أعينهم، متمتمين بكلمات الاحتجاج والتذمر. "جيل عجيب حقاً! "تمتمت أم ديبو وهي تتجه إلى الحظيرة هازة رأسها، ساخرة. "يريد أن يأكل دون أن يعمل!! العطالة منى نفسه والبطالة قرة عينه أطعمه لا يشبع، كلمه لا يقنع.. لكأنه من نسل البغال "لكن أم ديبو أسرعت تكتم ضحكة "كيف ذاك والبغال لا تتناسل؟ هي وحدها من حيوانات الأرض كلها عقيمة، لا تحمل ولا تلد؟" [/size]</TD></TR></TABLE> |
تنزيل نسخة مضغوطة عن الكتاب
http://www.awu-dam.org/book/99/novel99/228-a-k/228-A-K.zip