بسم الله الرحمن الرحيم مـقـدمة: حين تنهض الأمم العظيمة من غفوتها تلوذ بتراثها لتستمد من إنجازاته الإنسانية ثقة بقدراتها، وإضاءات لمستقبلها. ونحن العرب ما نزال في حالة نهوض من إغفاءتنا المديدة في ليل القهر؛ فالعرب ما يزالون يعيشون منذ قرن ونيّف في عصر النهضة، وهم يحلمون بالوحدة والتحرر والعدالة، ويعانون من صنوف العدوان والقهر ما يحدّ من قدراتهم وطموحهم إلى القوة. وقد تنوّعت مواقفهم من العدوان، وتنوعت انتماءاتهم. ولا ضير في ذلك ما دام التنوّع لا ينفي الوحدة، وإنما يدّل على التفاعل الإنساني الخيّر فوق الأرض العربية. بيد أن ضجيج التعصب لبعض الانتماءات فوق الأرض العربية ينذر بالتناقض لا التضاد بين العرب؛ فهم يعانون من ضجيج الداعين إلى الانغلاق والتعصب لانتماءات قطرية وقبلية وطائفية كما يعانون ضجيج الداعين إلى الرضا بالعدوان والتمزق، وفي ذلك تهديد وتشويه لنقاء الانتماء إلى العروبة الحقّ، ولنقاء رسالة العرب الخالدة إلى الإنسانية جمعاء. [size=12]إن رغبتي في تأكيد الثقة بأصالة الانتماء العربي، وبقدرة العرب على تجاوز الصعاب والأخطار من الأسباب التي دعتني إلى دراسة الانتماء في الشعر الجاهلي؛ فهو إبداع عربي أصيل، وسجلّ رئيس للأصول الأولى المكوّنة للوجود العربي، وهو ينتقل من حالة التشرذم والتناحر إلى الوحدة والوئام، ومن التبعية إلى القيادة والريادة؛ فقد شهد العصر الجاهلي إرهاصات التكوين القومي للأمة العربية إذ تكاملت فيه ثلاثة الأسس اللازمة للوجود القومي، وهي: الأرض والسكان واللغة: وأثمر جدل الإنسان الجاهلي فوق أرضه خصائصَ ماديةً وثقافية ما تزال تؤثّر في عقل الإنسان العربي ومشاعره. [size=12]وقد تطلّعت إلى دراسة ظاهرة الانتماء في الشعر الجاهلي حين وجدت مكتبة دراساته تخلو من الدراسات الراصدة لحركة المجتمع الجاهلي رصداً شمولياً، وهو يسير من عصر القبائل والتبعية إلى عصر العروبة، عدا دراسات قليلة أضاءت جوانب من تلك الحركة. ويأتي في طليعة تلك الدراسات كتاب (تاريخ الشعر) للدكتور نجيب محمد البهبيتي؛ فهو دراسة رائدة في الإشارة إلى وجود الشعور القومي عند الجاهلين، وفي الإشارة إلى أثر الشعراء في الدعوة إلى الوحدة العربية، ولكن هذه الدراسة غلب عليها الطابع السياسي والتاريخي، وغاب عنها الشعر الجاهلي إلا قليلاً. [size=12]ومن تلك الدراسات القليلة دراسات رصدت قلق بعض الجاهليين واغترابهم ومعاناتهم بسبب اضطرارهم إلى الارتحال، أو خروجهم عن المألوف، أو نبذ المجتمع لهم. ويأتي في مقدمة تلك الدراسات كتاب (الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي) للدكتور يوسف خليف. [size=12]غير أن هذه الدراسات على أهميتها لا ترصد النشاطات الإنسانية الدّالة على إرهاصات الانتقال إلى طور الوجود القومي رصداً شاملاً يستوعبها، ويربط بينها للكشف عن تنوّع تلك الأنشطة ووحدتها معاً، كما أنها، وكذلك غيرها، لم تكشف عن ظواهر اجتماعية مؤثرة في المجتمع الجاهلي، وفي تكوين الوجود العربي كظاهرة المقرفين، وعلاقة الإنسان بالأرض التي يستوطنها، والملوك والسوقة، والتسامح الديني، وغير ذلك. [size=12]وقد اخترت أن يكون عنوان هذه الدراسة هو (الانتماء في الشعر الجاهلي) لما فيه من شمول يُمَكِّنني من رصد الوجود الإنساني الجاهلي المتعدّد الانتماءات لتعدّد أنشطته وأصوله، وتنوّع أفكاره ومشاعره. [size=12]ولقد عدّت إلى المصادر الأصلية للشعر الجاهلي، فاستقريت نصوصه استقراء شاملاً ما أمكن، ودقيقاً وعميقاً قدر الطاقة، باحثاً عن أنواع الانتماء فيه، ومستنبطاً منه مظاهر تلك الأنواع، ومتعرّفاً به مواطن تلاقيها وافتراقها، وهي تتطوّر من الانتماء النسبي الصريح إلى الانتماء العربي. وقد جعلت الحديث عن الظاهرة الإنسانية مقدمة لبيان الانتماء إليها، مفترضاً أن وجود ظاهرة اجتماعية يعني وجود منتمين إليها سواء أكانوا يدركون انتماءهم إليها أم لا يدركونه. [size=12]وكان اعتقادي بأنّ الإنسان فُطر على السعي نحو الأفضل، وبأنّه قادر بعقله وإرادته وعزيمته على صنع ظروف أفضل بوسائل مختلفة باختلاف العقول والزمان والمكان وغير ذلك -دليلاً أهتدي به لفهم الشعر في هذه الدراسة، ولم أتقيد إلا بما هداني إليه النظر العميق في ذلك الشعر مستعيناً بمعرفتي بالظروف التاريخية التي أبدع فيها، وبأهمية تلك الظروف في فهم الشعر الجاهلي. [size=12]وقد جعلت هذه الدراسة في خمسة فصول وخاتمة، يسبقها مدخل بينت فيه رؤيتي للمراد بظاهرة الانتماء ثم تحدّثت عن وجودها في العُرف الجاهلي، وتلت ذلك خمسة فصول، موزّعة على النحو التالي: [size=12]الفصل الأول: الانتماء النسبي الصريح. وفيه تحدثت عن المراد بالنسب الصريح، ثم تحدثت عن ثلاث ظواهر اجتماعية فيه، وهي: أبّوه الصرحاء، وأمومة الصرحاء، والأسرة الزوجية الصريحة، مبيّناً الانتماء في كلّ منها. [size=12]الفصل الثاني: الانتماء النسبي غير الصريح. وفيه وقفت على ثلاث ظواهر نسبية هي: النسب اللصيق، والنسب المختلط، والنسب الأعجميّ، وقد بينت الانتماء في كلّ منها. [size=12]الفصل الثالث: الانتماء المكاني. وفيه تحدثت عن أهمية علاقة الجاهلي بالمكان في تطور انتمائه، وبينّت ذلك بالحديث عن القرار بالمكان، وعن الارتحال عن المكان، وعن وجود عقلين ومدَيين ينتمي إليهما الجاهليون. [size=12]الفصل الرابع: الانتماء السياسي والاجتماعي. وفيه بينّت تداخل الانتماءات السياسية بالظروف الاجتماعية، وارتباط ذلك التداخل بالواقع الاقتصادي، وقد تحدثت فيه عن طبقات الملوك والسوقة والسادة والمستضعفين، وعن ظاهرتي الحلف والجوار، وشبههما، وبينّت الانتماء في كلّ ذلك. [size=12]الفصل الخامس: الانتماء الديني والعربي. وفيه رصد لديانات الجاهليين ولتنوع انتماءاتهم الدينية، ثم رصد للأدلة على وجود الانتماء العربي، وهي أدلّة نسيجُها ولحمتها مظاهر التواصل والتطور في انتماءات الجاهليين بعامة. [size=12]وأمّا الخاتمة فقد أجملت فيها بإيجاز النتائج الرئيسية في هذه الدراسة، ثم أتبعتها بثبت المصادر والمراجع. وبالمحتوى. [size=12]د. فاروق اسليم. [/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size] |
الانتماء في الشعر الجاهلي -د.فاروق أحمد اسليم - دراســــــــة
القناص- المؤسس + صاحب المنتدى
عدد الرسائل : 1462
العمر : 37
العنوان : المغرب
العمل/الترفيه : student
المزاج : good
الرتبة : 01
معدل تقييم المستوى :
تاريخ التسجيل : 11/07/2008
نقاط : 12024
السٌّمعَة : 0
سلطة على الأعضاء :
إختر دولتك :
الأوسمة :