هل ثمة وصول؟ كيف؟
حين أتت السبع العجاف على سنابل حقل الروح أذبل القنوط جسد العبارة.
[size=12]قلت للأم الطبيعة:
[size=12]كل ما فيك يكمل نقيضه ويكتمل به. فلماذا لا نكون نحن البشر على صورتك ومثالك؟
[size=12]وخيل لي أن الطبيعة ابتسمت بحنان.
[size=12]...
[size=12]يبدو لي أن الإنسان منذ أن انفصل، نسبياً، عن الطبيعة والأشياء الطبيعية، وشعر بذلك الانفصال، راح يعمل بشتى الوسائل الذهنية للعودة إلى صدر الأم والتناغم مع حركة الكون. لقد خلق كوناً صغيراً له متصلاً بالكون الأعظم بوساطة النواميس الكونية الشاملة ومتمتعاً باستقلال ذاتي نسبي نتيجة سيطرته المحدودة على الطبيعة وفهمه بعض نواميسها وإمساكه بزمام بعض شؤون الحياة. ولقد جعله هذا الانفصال النسبي دائم الحنين إلى الجنة الضائعة، الجنة التي اغترب عنها بصنعه أدوات ووسائل أبعدته عن الالتحام المباشر بها، فصار يتصل بها بالأدوات بعد أن كان يحيا فيها ويتحسسها بحواسه.
[size=12]لقد ألف جسده الارتعاش لوقع قطرات المطر طوال آلاف السنين، وها هو الآن يمنع قطرات المطر من أن تكف في منزله الحديث، وكانت له مع الليل ونجومه حكايات وأساطير، وكانت له فيه معارك وأهوال ومخاوف، وكانت له أفراح وأغنيات، ثم ها هو ذا ينفصل عن أسرار الليل بالنور الاصطناعي فيتلاشى الخوف القديم ويشحب لون الحكايات والأساطير وتختفي الأشباح. لقد انتقل من عالم السحر والتوجس والتوهم إلى عالم أضاءه عقله فتلاشت منه الظلال الموحيه وتكشفت له الحقائق.. وكم في العالم من أشياء وهمها أجمل من حقيقتها، وخيالها أبهى من صورتها، وظلها ألطف من كيانها!
[size=12]حين كانت المرأة عارية صورها الفنانون في رسوم الكهوف وفي الأساطير مكتسية ولو بورقة تين أو سواها، وحين اكتست بأفخر الملابس وصنعت لها بعض الشعوب حزاماً للعفة صار الشعراء والكتاب والفنانون يتفننون في تصويرها عارية.. وكذلك كان شأنهم مع الطبيعة. حين كانت بكراً وعارية ألبسوها صنوف "الملابس" المصطنعة، وحين ارتدت ما صنعوه لها وغيروا شكلها زاد اشتياقهم إليها بريئة عارية من كل لباس أو بهرج.
[size=12]ومن غريب أمر الإنسان أنه اخترع شتى ضروب الأدوات ليكسب شيئاً من الوقت الذي كان ينفقه على العمل، وحين حصل عليه راح يبتكر شتى الوسائل لإضاعة ذلك الوقت.. وقد دفعه الهيام بالتسليه إلى ابتكار تسليات مدمرة.. لكنه ابتكر إلى جانبها أشياء أخرى مفيدة ومنها شتى الفنون.
[size=12]...