كـلمة أولـى لقد تمّ النظر إلى الحداثة الشعرية، في النقد المعاصر، ومن منظورات عدّة متباينة ، سواء أكان ذلك فيما يتعلق بتحديدماهو جوهري فيها. بحيث يخيل للمرء أن النقد المعاصر لم يكد يترك جانباً من جوانب الحداثة، من دون معالجة تحليلية أو تناول نقدي. وواقع الحال أن ذلك النقد قد أسهم إسهاماً فعّالاً في تحديد الحداثة الشعرية وبلورة أطروحاتها الفنية والجمالية . ولايرتبط الأمر بما هو نظري وحسب، بل بما هوتطبيقي تحليلي أيضاً. ولانبالغ إذا ماذهبنا إلى أن الحداثة قد أنجزها النقاد تنظيراً، مثلما أنجزها الشعراء إبداعاً. ومن حق النقد المعاصر أن يفخر بما أنجزه، ومن واجبه أيضاً أن يواصل التفكير والمعالجة والمراجعة لما أنجزه نقدياً، ولما ينجزه الشعراء إبداعياً. غير أن ذلك لايؤدي إلى الزعم أن النقد قد قال كلمته الفصل في شأن الحداثة الشعرية. فليس ثمة كلمة فصل في الشعر ـ والفن عامة ـ كما أنه ليس ثمة كلمة فصل في العلوم الإنسانية، والنقد واحد منها . ومن ذلك فإن هناك شرعية مستمرة للمقاربات النقدية الجديدة جزئياً أوكلياً. ولعل هذا يكون سبباً وراء مقاربتنا النقدية هذه، التي لانزعم لها الجدّة. بل نزعم لها الاختلاف وبصرف النظر عن تقويم هذا الاختلاف إيجاباً أو سلباً، فإنه يعود أساساً إلى انطلاق هذه المقاربة من علم الجمال. وهو مالم تتم الإفادة منه في النقد المعاصر، إلا بشكل جزئي حيناً، وبشكل عرضي حيناً آخر. وذلك بخلاف هذه المقاربة التي تتأسس على علم الجمال، من دون أن تغفل ماأنجزه النقد الأدبي بشأن الحداثة الشعرية. تقوم هذه المقاربة النقدية ـ الجمالية على مقولة محورية، مفادها أن الفن عامة هو نتاج الوعي الجمالي السائد والمشروط بالبنية المجتمعية العامة. وهو مايعني أن الفن لايمكنه أن يتبدّل، مالم يكن ثمة تبدّل في الوعي الجمالي. وهذا لايحدث بمعزل عن التبدلات الحاسمة في تلك البنية المجتمعية. أي أن الفن ليس انعكاساً مباشراً للواقع، بل هو انعكاس للوعي الجمالي المشخّص تاريخياً من جهة، والمشخّص فردياً من جهة ثانية. [size=12]إن الفن هو الأكثر قدرة على تبيان ذلك الوعي وتجسيده وتمثلّه. ولايتبدى ذلك في طبيعة المعالجة الجمالية للواقع فحسب. بل يتبدى أيضاً في التقنيات الفنية التي ليست ، في الحقيقة، سوى تمظهر حسي لما هو معنوي جمالي مجرّد. فثمة ، إذاً ، علاقة جدلية بين الوعي الجمالي والشكل الفني. ومن هنا فإن مقاربة ذلك الوعي لاتتمّ، على النحو الأمثل ، إلا من خلال مقاربة الشكل الذي هو الوعي متمظهراً. أو لنقل إن الشكل الفني هو شكل الوعي الجمالي . ولذلك فإن أي تبدّل في الوعي سوف ينعكس تبدلاً في الشكل. غير أن هذه المسألة لاتتمّ ميكانيكياً، أو بطريقة حتمية. فقد يتمكن الشكل من استيعاب تبدلات الوعي غير الجذرية أو الجوهرية. [size=12]وتأسيساًعلى ذلك، فقد نظرنا إلى الحداثة الشعرية على أنها حداثة في الوعي الجمالي أولاً. ولايمكن لنا فهم الاختلاف والتميّز بين النص الحداثي من جهة، والنص الكلاسيكي والتقليدي المعاصر من جهة أخرى، مالم نأخذ بالاعتبار الاختلاف والتميز بين الوعي الجمالي لكل منهما. ولكن إذا ما كان الوعي الجمالي هو المنطلق في تبيان الحداثة، فإن هذا لايؤدي بنا إلى إغفال الشكل الفني، ألم نقل إن هذا انعكاس لذاك. مما يعني أن حداثة الوعي تنعكس حداثة في النص. [size=12]لن نطيل في عرض منطلقات هذه المقاربة النقديةـ الجمالية، ففصول الكتاب كفيلة بذلك. ولكن مالابدّ من قوله هو أننا حاولنا أن نعي الحداثة بشكل نقدي. فإذا استطعنا ذلك نكون قد أسهمنا، قدر الطاقة، في بلورة الحداثة جمالياً، وإذا عجزنا أو أخفقنا، فليس أمامنا إلا أن نعيد القول في ما قلناه. [size=12] [size=12]*د. سعد الدين كليب [size=12] [/size][/size][/size][/size][/size][/size] |
وعـــي الحــداثــة( دراسات جمالية في الحداثة الشعرية ) - د. ســعد الـدين كـليب - دراسة
القناص- المؤسس + صاحب المنتدى
عدد الرسائل : 1462
العمر : 37
العنوان : المغرب
العمل/الترفيه : student
المزاج : good
الرتبة : 01
معدل تقييم المستوى :
تاريخ التسجيل : 11/07/2008
نقاط : 12026
السٌّمعَة : 0
سلطة على الأعضاء :
إختر دولتك :
الأوسمة :
» "المعذب " في الشعر العربي الحديث فـي سوريا ولبنان من عام 1945 إلى عام 1985 - ماجد قاروط - دراسات جمالية
» دراسات دولية- المحامي د.عصام جميل العسلي - دراسة
» آلة الكلام (النقدية..) دراسات في بنائيّة النص الشعري ـــ محمد الجزائري - دراسة
» زين الدين المختاري - المدخل إلى نظرية النقد النفسي سيكولوجية الصورة الشعرية في نقد العقاد (نموذجاً) - دراسة
» ميخائيل عيد - أسئلة الحداثة بين الواقع والشطح - آراء
» دراسات دولية- المحامي د.عصام جميل العسلي - دراسة
» آلة الكلام (النقدية..) دراسات في بنائيّة النص الشعري ـــ محمد الجزائري - دراسة
» زين الدين المختاري - المدخل إلى نظرية النقد النفسي سيكولوجية الصورة الشعرية في نقد العقاد (نموذجاً) - دراسة
» ميخائيل عيد - أسئلة الحداثة بين الواقع والشطح - آراء