المقدمة:
الثعلب في الأدب العربي وفي الآداب الأخرى، رمزٌ للخداع والحيلة والغش، وقد كتب عنه الكثيرون من الأدباء وأظهروا مهارته في الخداع والمراوغة، وكيف ينجح في الوصول إلى هدفه بسبب غفلة أو جهل خصومه، وكيف يفشل أمام فطنة وانتباه خصومه.
-ومهما كانت الثعالب ماهرة في تمرير خداعها واستغفال خصومها إلا أنها (أي الثعالب) في نهاية المطاف وصلت جلودها إلى المدبغة، فإن حبل الخداع قصير، حيث سرعان ما ينكشف المخادع أمام الآخرين ويبقى خائباً خاسراً مجتمعه..
[size=16]-لقد طالعنا في مرحلة الابتدائية قصة الحمامة والثعلب ومالك الحزين، وقد تأثرنا بها نحن الأطفال في حينها تأثراً بالغاً وخاصة بنهايتها السليبة غير المتوقعة بالنسبة لنا.
[size=16]-وكانت تعليقاتنا في الصف حول القصة جيدة وذكية، حيث وقفنا بجانب الحمامة ومالك الحزين وتألمنا لمصيريهما، ووجهنا لومنا للكاتب على نهايتها، حيث أتذكر بعض الحوارات التي جرت في الصف في أعقاب مطالعة القصة وقراءتها ومناقشة الطلاب لها في ما بينهم، أومع معلمنا الجليل:
[size=16]1-"إذا كان الثعلب قد نجح في خداع الحمامة فلا يجوز أن ينجح في خداع مالك الحزين وهو الناصح لها، فقد جعل الكاتب الحمامة وناصحها مغفلين جداً".
[size=16]2-وقال آخر: "إذا كان الثعلب قد نجح في الخداع مرّة فلا يجوز أن ينجح في المرّة الثانية".
[size=16]3-وقال آخر: "كيف يسمح الكاتب لعنصر الشرّ أن ينجح حتى النهاية في هذه القصة".
[size=16]4-وقال آخر: "إنّ الحمامة تعيش بين الأشجار وتعرف من يستطيع التسلق ومن لا يستطيع".
[size=16]-وجرت حوارات كثيرة كلها تدور حول هذا المحور..، وكلّها أسف لمصير الحمامة ومالك الحزين، بسبب نهاية القصة، وحكيَت القصة لوالدتي، وحين انتهيت منها، قلت: هل هذا يجوز؟!
[size=16]-وأجابت ضاحكة: "لأن خصوم الثعلب كانوا مغفلين، والأذكياء وحدهم يستطيعون اكتشاف الحيلة والخداع".
[size=16]وحكيت القصة لوالدي، وقلت له: هذا غير ممكن، لماذا سمح الكاتب أن ينجح الثعلب في خداعه حتى النهاية؟!
[size=16]وأجاب الوالد: "هكذا أرادها الكاتب، جعل الثعلب بطلاً منتصراً حتى النهاية، وكان من الأفضل أن يجعل المخادع فاشلاً في النهاية وإعطائه درساً قاسياً لـه ولأمثاله".
[size=16]-لقد شعرنا نحن الأطفال في حينها بالإحباط بعد قراءة القصة، ورحت أفكّر بصورة جديّة – وأنا طفل- أن أضع نهاية ملائمة للثعلب الماكر في القصة، أن أكشف خداعه وأضع أمامه العراقيل، وأجعله فاشلاً ومسخرة أمام الآخرين.
[size=16]-ونمتْ في وجداني هذه الفكرة منذ الصغر، فكرة الكشف عن خداع الثعالب وجميع حيلها، فإذا كان قد استغل الحمامة والدجاجة والأرنب مرّة أو مرّتين، فلا بدّ في النهاية من أن ينكشف ويفشل، بل يجب أن ينكشف الخِداع.
[size=16]وهكذا ولد هذا الكتاب –قصص عن ثعلب- إذ تركت فيه الحمامة والدجاجة والأرنب والكناري والعصفور وغيرهما من الحيوانات والطيور تكتشف خداع الثعالب وأساليبها، وتسخر منها فيظهر المخادع المحتال أمامها ضعيفاً فاشلاً، مع الأخذ بنظر الاعتبار الانتباه والحذر.
[size=16]-وباعتباري مدرساً ميدانياً فترة طويلة في التدريس فقد لمست بنفسي تأثير القصة في نفوس الطلاب في درس المطالعة والإنشاء، وتلهفهم إلى سماعها والتعليق عليها..
[size=16]إننا نستطيع بواسطة القصة أن نغذي الطفل بأفكار وأهداف كثيرة.. لأنها تتسرب إلى عقله بصورة هادئة..
[size=16]فأمامنا أطفال أذكياء وحسّاسون جداً، لذا يجب أن نحترم مداركهم وأحاسيسهم وشخصياتهم بقصص هادفة فنيّة ممتعة..