تقديم وإهداء
هذه المسرحية ليست سيرة حياة كاملةً للقائد العربي البابلي نبوخذ نصَّر. بل هي قطرة من تلك الحياة التي حفلت بالبناء العظيم للدولة البابلية؟
لقد آمن نبوخذ نصَّر ـ مثل جدّه سَرجُون الثاني ـ ووالده تغلات فلاسَّر ـ بأن سكان الأراضي الواقعة بين شرقي الفرات ودجلة والبحر المتوسط غرباً، وبين جبال "طوروس" وجنوبي الجزيرة العربية ينتمون إلى أرومة واحدة، وإلى جد واحد، وأن أصولهم واحدة، يتكلّمون بلسان واحد، ويشعرون ويفكرون بنمط ثقافي واحد، ويمارسون عقائد دينية واحدة.
[size=16]لكل ذلك كان لابدَّ من القيام بخطوة عظيمة لتوحيد هذه الشعوب في دولة واحدة تكون بابلُ مركزها وعاصمتها. ولهذا قام نبوخذ نصَّر بمتابعة خطى جدّه "سَرجُون الثاني" بنقل عائلات كاملة من مختلف البلاد، فأسكن سوريين في بابل وجزيرة العرب ونقل عائلات من بابل فأسكنها في المناطق الغربية والجنوبية، ليزيل الفروقات البيئية المحلية بين هؤلاء.
[size=16]لقد كان تفكير نبوخذ نصَّر ينصبّ على إقامة الدولة العظيمة ذات السيادة تجارياً وثقافياً ومالياً وعسكرياً وحضارياً. وهذا ما أخاف الفرس، وفراعنة مصر الذين كانوا ينافسونه على التجارة والسيادة مع صيدون وصور. لقد لعب اليهود القلائل المقيمون في فلسطين دوراً شنيعاً ـ وما زالوا يلعبونه حتَّى الآن ـ هو التفريق بين الأخوة وأبناء العم، ليتمكنوا من احتلال الأراضي والسيطرة على طرق التجارة في سورية. ولهذا عملوا على إثارة البغضاء بين البابليّين والمصريين. ولما اشتدّ خطرهم كان لابدَّ من ضربهم بقوة، فقام نبوخذ نصَّر ـ كما فعل جدّه سَرجُون الثاني من قبل ـ بضَرْبهم وأسْرِهِم وأخذِهِم إلى بابل، ومَنْعِهِمْ من العودة إلى فلسطين وإنهاء مملكتهم المزعومة (يهودا) وهي مملكة القدس العربية، وكان ذلك عام 587 ـ 586 ق.م.
[size=16]لقد عاش نبوخذ نصَّر أكثر من سبعين سنة، قضى منها ما يزيد على أربعين سنة مقاتلاً، وملكاً ورجل حضارة. وفي أثناء ذلك كلّه لم يتمكن الفرس من القضاء على هذه الدولة العظيمة التي أنجزت للبشرية من العمران عجائب خالدة وأقنية ماء للري عظيمة، والحدائق المعلّقة، وتقسيم الساعة إلى اثنتي عشرة ساعة باعتبار اليوم أربعاً وعشرين ساعة، كما قسّموا الدقيقة إلى ستين ثانية، وغير ذلك من الإبداع كثير، كثير!!.
[size=16]لقد أشاع اليهود، والمصادر اليهودية، أن نبوخذ نصَّر ما كان إلا رجلاً مجنوناً يقتل ويضرب ويدمّر، ليزيلوا عنه صفة القائد العظيم، وليقلّلوا من شأنه في التاريخ الإنساني. ولقد تبنى بعض العرب، للأسف، هذه الكذبة الإسرائيلية فكتبوا عن نبوخذ نصَّر نصوصاً ومسرحيات تظهر طغيانه وجبروته بسبب جنونه، كما تُظهره دكتاتوراً متوحشاً.
[size=16]لكنّ الحقيقة هي أن قائداً على هذا المستوى الرفيع من القدرة والقوة والتفكير بالدولة الواحدة ـ وقد حاصره الأعداء والخونة من كل جانب ـ ما كان له إلا أن يعاني كغيره من البشر من قلق واضطراب وتعب. وهذا كله أصابه في معدته بسبب التوتر الدائم.
[size=16]إنَّ دولة بابل العظيمة لم يتمكّن أحد من تدميرها إلا بعد وفاة نبوخذ نصَّر بزمن طويل، حيث تآمر اليهود مع الفرس وبخاصة مَلِكَهم "قورش" الذي تزوّج من امرأة يهودية، وبتعاون مع أحد الضباط البابليين الخونة. لكن بابل لم تسقط إلا في عام
[size=16](538) ق.م على يَدَي "سايروس" ملك فارس الذي سمح لليهود بالعودة إلى القدس من بابل بعد أكثر من (700) سنة!!.
[size=16]إنَّ هذه المسرحية تعرض لمرحلة صراع نبوخذ نصَّر مع اليهود في أثناء بناء الدولة العربية البابلية، وتحرير طرق التجارة وإنقاذ البشرية من أحقاد اليهود. ولهذا قال قوله المشهور الذي ينص على تحرير البشرية من اليهود لأنهم (أعداء لأنفسهم وأعداء للناس!!).
[size=16]* فإلى الشباب العربي المؤمن بالوحدة العربية العظيمة، أهدي هذا العمل.