• التحليل :
بأي شيء نبدأ ؟ .. هل نبدأ بسم شخص من الأشخاص ؟ أم هل نبدأ بسم مجموعة من المجموعات ؟.. أم بسم شعب من الشعوب ؟.. هل نبدأ بسم الفاني ؟ أم نبدأ بسم الباقي ؟.. يعلمنا الله سبحانه وتعالى خالقنا ورازقنا وولينا في الدارين أن نحسن البداية كي ننتهي إلى النهاية المرجوة وهي السعادة في الدنيا والآخرة التي لا شك فيها إطلاقا .. بحقيقة الشيء وكنهه الثابت نبدأ ..
(( بِسْمِ اللهِ
)) بسم الذات الواجب الوجود نبدأ .. بسم الله نبدأ وبسم الله ننتهي .. وبسم الله نكون أو لا نكون .. نعم الرب ونعم النصير .. يتأمل الإنسان نفسه ومحيطه والكون من حوله .. لينتهي بسرعة وبكل موضوعية وتجرد إلى أنه لم يخلق صدفة غبـيـة.. وأن وراء الصنعة صانعا مبدعا أوجده من عدم.. لامتحان كبير وعظيم اسمه امتحان الحياة واختبارها العجيب الغريب الذي عليه أن يبرهن فيه عن مدى اختاره الواعي المسئول ..
يتأمل الإنسان ويعيد التأمل والتفكر والإعتبار .. فلا شيء صدفة في هذا الكون وفي هذه الحياة .. وفي هذا الإنسان بالذات .. ويتأكد وبالدليل المادي الملموس أن الله موجود .. ويهولـه الإمتحان .. وتكبر عليه المعصية .. ويتردد بين الإقدام والإحجام في دروب الحياة الوعرة وما كمن فيها من أعاجيب ومفاجآت لا تنتهي .. ويتساءل بينه وبين نفسه عن الله .. وعما ينتظره منه .. فإذا الله سبحانه وتعالى يؤكد لـه في الطرف الآخر .. أن لا تخف ولا تخش بأسا .. وأن الله هو
(( الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
)) .. رحمه رحمة : رق لـه وشفق عليه وتعطف وغفر له .. فالله يعده بالتجاوز عن سيئاته إن استقام على الطريقة وإن عبده وأطاعه وانتهى عند نواهيه .. فهو
((الرَّحْمنِ
)) لكل الخلق مؤمنهم وكافرهم .. سبقت رحمته غضبه .. وهو
(( الرَّحِيمِ
)) للمؤمنين خاصة يبدل سيئاتهم حسنات متى التزموا جادة الصواب وكانت نيتهم قرينة فعلهم .. وكانوا بحق خير أمة أخرت للناس قولا وفعلا وعملا ..
ولما يتأكد المؤمن بالدليل المادي الملموس أنه لم يخلق صدفة غبية .. وانه في رعاية الله سبحانه وتعالى الذي كتب على نفسه الرحمة .. يمضي بقية عمره في طريق الحق المبين لا يبغي عنه حولا .. لأنه تأكد في قرارة نفسه أنه محمي من الله سبحانه وتعالى .. فيقول من شغاف قلبه :
(( الْحَمْدُ لِلَّهِ ...
)) والحمد هو منتهى الشكر.. والشكر ليس منتهى الحمد .. وفي الأثر لم يشكر الله من لم يحمده .. وبالتالي فإن المؤمن يشكر الله ظاهرا وباطنا قولا وفعلا .. عملا وزكاة .. بذلا وعطاء .. فشكره لله يشمل كل مجالات حياته الخاصة والعامة .. وفي كل عمله ونيته يتوجه تلقاء ربه الذي لا شريك لـه .. يبتغي منه تسديدا ويبتغي منه قبول عمله .. ابتغاء مرضاته .. دنيا وآخرة .. وحيث إن المؤمن ليس أنانيا ولا ينظر أبعد من أنفه كما يقال .. فإن ينظر إلى نفسه كجزء من الكون والحياة .. من منظومة كاملة متكاملة .. لذلك يؤمن المسلم شديد الإيمان بما حوله وبمن حوله .. فهو يقول
(( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
(2)...
)) .. فمنتهى الشكر والثناء لله وحده .. والإعتراف بالجميل وبنعمه التي لا تحصى من نعم البصر والسمع والنطق والزوج والولد والطعام والشراب والهواء والصحة والعقل ... كلها نعم من الله الخلاق العليم لو أنفق الإنسان عمره كله ما صنع جزءا ولو بسيطا منها ... بل لو تكاتف الناس كلهم لم يصنعوا جزءا منها مهما صغر .. وبالتالي فالمؤمن يرى الكون والحياة كعالم متكامل لرحمة الله سبحانه وتعالى ..
(( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
(2) ...
))... العالمين :
( عالم جمع عالمون
).. أي الخلق كلهم .. ما ظهر منهم وما بطن .. لهم رب واحد فرد صمد ليس كمثله شيء خلق وأبدع وأوجد وشمل كل شيء برحمته الواسعة ..
سبحان الله الذي خلق وأبدع وأوجد عالما من عدم يدل على مدى عظمته ووحدانيته وتفرده بالعظمة والخلق .. سبحانه
(( الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ
(3) ...
)) .. كل ما في الحياة يشي بمدى رحمته الواسعة .. فالمخلوقات تتراحم بينها .. وكل شيء يتعامل برحمة ومحبة فائقة لاستمرار الحياة .. ذلك النبع الثر من الرحمة الذي لا يغيض إنما هو من الله .. منة من الله يتعامل بها الخلق فيما بينهم .. وهي الرحمة التي تدل على وجود الله وعلى مدى ما اتصف به من عفو وتسامح .. فهو
(( الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ
(3) ...
)).. إنه يعطيك الأمل كي تعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا .. ولآخرتك كأنك تموت غدا استعدادا للرحيل .. عبادة وتقوى وصلاحا واستقامة .. هناك خوف من الله هذا صحيح .. وهذا الخوف يجب أن يصاحب المؤمن في حله وترحاله في سره وجهره في كل أقواله وأفعاله ونيته .. ولكن هذا الخوف لا يجب أن يعقد حياته ولا أن يعرقلها .. بل الحياة يجب أن تستمر قوية مؤمنة متماسكة .. مع الثقة التامة في رحمة الله وفي فضله .. وفي تجاوزه وعفوه .. إنه الأمل الذي يزرعه فينا رب العزة .. كي نمضي عمرنا كله تطلعا إلى مرضاته .. وسعيا للآخرة التي لا شك فيها إطلاقا ..
وحيث إن كل شيء ليس صدفة بل بمقدار .. وبخلق وبرحمة من الله سبحانه وتعالى .. فقد تجلى الهدف ووضحت الغاية .. فهناك منطلق وهناك هدف .. المنطق عالم كله أوجده الله سبحانه وتعالى .. يدل على مدى عظمته ورحمته .. وهناك امتحان حياة .. وأمانة ومسئولية عبادة وعمل .. وهناك في الطرف المقابل يوم قيامة .. يوم جزاء ويوم حساب .. فالمسألة ليست عبثا .. إنها جد في جد ..
في ذلك اليوم الكبير .. الملك لله .. والحكم لله .. والأمر والفصل لله الواحد القهار .. وبالتالي فلا يغتر المؤمن بهذه الحياة .. ولا يغتر بماله ولا بنفوذه ولا بمنصبة في هذه الحياة القليلة مهما كثرت والقصيرة مهما طالبت
(( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ
(4)...
)).. لا مهرب منه إلا إليه .. فهو المتصرف الوحيد في خلقه حياة وموتا وبعثا ونشورا .. وجزاء .. يوم الدين من الدينونة أي الجزاء والحساب من جنس العمل .. إن خيرا فخير.. وإن شرا فشر .. فاسأل نفسك ماذا قدمت وماذا أخرت ؟.. وماذا قلت وماذا أسررت ؟.. وحاسب نفسك قبل أن تحاسب ..
ومتى آمنت بأن هناك قيامة .. وهناك جزاء .. فقد وجب عليك حسن الإستعداد لذلك اليوم العظيم الذي تذهل فيه المرضعة عمن أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها .. إن المؤمن متى وضع في اعتباره أنه ميت فمجزي عن أعماله يوم القيامة الذي لا شك فيه إطلاقا .. فإنه لن يسلك حتما إلا سبيل الرشاد .. سبيل التقوى .. سبيل مخافة الله والعمل بطاعته .. إن المؤمن يدخر عادة لليوم الأسود .. ولكنه ينسى أو يتناسى يوما أشد سوادا على الكافر والمنافق إذا لم يدخر فيه صلاة أو برا أو طاعة أو زكاة أو أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر أو استقامة على طريقة الإسلام المثلى .. ولذلك فإنه سرعان ما يردد دون مواربة :
(( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
(5)...
))... عبده عبادة : وحده وخضع وذل وطاع له .. فالعبادة هي خضوع وطاعة وتوحيد أو لا تكون .. العبادة هي أصلا الإعتراف والإقرار بوجود الله وبأنه واحد لا شريك له ولا زوجة له ولا ولد ولا يحده المكان لا الزمان قائما بذاته يسع لكل ما يسأل ..
(( إِيَّاكَ نَعْبُدُ ...
)) لا نعبد أحدا غيرك من صنم أو ذات مادية أو معنوية .. وحدك المعبود .. إليك وحدك نتوجه بالصلاة والبر والطاعة والإستقامة .. وحدك نخاف .. وحدك نرجو .. أنت الله .. الرحمن الرحيم .. الذي وعدتنا مغفرة وأمنا وأمانا وسعادة دنيا وآخرة ..
(( وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ...
)) لا نطلب من أحد من غيرك عونا فأنت الحكيم العليم المحيط بنا والقادر علينا وعلى غيرنا وعلى كل شيء .. ولا نطلب العون من أحد غيرك بعد اتخاذ الأسباب وحسن التوكل .. فأنت الله المعبود .. وأنت الله المستعان .. ومتى صح التوحيد صح العزم .. وصح طلب العون من واحد لا شريك لـه ..
(( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
(5)...
)) .. ومتى حسن اليقين وحسن التوكل .. حسن اختيار الطريق .. ووجد المؤمن الأمن والأمان والتوازن النفسي والفكري والجسدي .. ولكن قد تلتبس على المؤمن الطرق وهو يعيش زخم النظريات والمغريات .. ولا سبيل لإيجاد التوازن عندها يتوجه المؤمن دون تردد إلى الله العزيز الحميد يلتمس منه فضلا .. وحق له أن يتوجه إلى الله فنعم الرب هو .. ونعم المجيب هو ..
(( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ
(6)...
))... لقد اتخذنا الأسباب .. وأحسنا التوكل .. وأحسنا العبادة .. الآن التبست الطرق فاهدنا سبيل الرشاد .. استخارة وحسن يقين .. وحسن تفويض ..
(( اهْدِنَا...
)).. هداه هداية : ضد أضله .. أرشده .. الهداية الرشاد.. ضد الضلال ..
(( اهْدِنَا الصِّرَاطَ ..
)) الصراط جمع صرط : الطريق أو ما استقام منها .. فحتى الطريق منها المستقيم ومنها المعوج .. وطريق الله واضحة لا لبس فيها ولا التباس .. إنها الطريق التي اختطها الله سبحانه وتعالى لعباده الذين خلقهم ويعلم ما يصلح لهم في محياهم ومماتهم ويوم يبعث الأشهاد ..
(( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ
(6)...
))... هذا هو الطرق الذي نبتغيه طريق الله الذي ارتضاه لنا لا طريق غيره من العباد القاصرين المقصرين في حق أنفسهم وفي حق الناس .. الله اتصف بالكمال وبالتالي فإن منهجه الذي اختاره يتصف كذلك بالكمال وتمام الهداية..
ومرة تلتبس الطرق والقيم والمفاهيم عند المؤمن .. وقد ينتكس فيحسب المذاهب الأخرى والطرق الأخرى والأمم الأخرى على صواب وهو يرى رأي العين ما فيها من تقدم ظاهري لا ينبئ عن فساد الباطن وتحلل القيم .. فيحسب أن تلك الأمم على طريقة مثلى من استقامة منهج و سلوك وقد يبتغي عندها العزة .. وقد يقلدها عن سهو أو ضعف أو استكانة أو لمجرد الهوى .. وينسى أو يتناسى بقية فصول الهداية .. ولكن عن أية هداية تأتي سورة الفاتحة المبارك ؟..
(( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ..
)) .. انه صراط الذين شملهم الله بنعمة كبيرة هي سعادة الدارين .. لا الدنيا فقط ولا الآخرة فقط .. بل الدنيا والآخرة .. ولا ينعم الله على فرد أو جماعة إلا نعمة كاملة متكاملة .. فهو الرب العظيم الكريم العليم ..
(( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ...
)).. ولكن المؤمن وهو الذي قد تلتبس عليه السبل قد يحسب بقية الأمم على سعادة ظاهرة مادية أو شكلية فلا يبغي عنها حولا .. وقد ينغمس فيها تقليدا أعمى دون تفكير عميق وكبير وعي ... فالمادة بهرجها خادع .. فإذا سورة الفاتحة تردد عليه
(( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ
))... ولكن منهم الذين أنعم عليهم الله سبحانه وتعالى ؟ .. إنهم المؤمنون حقا .. المسلمون حقا قولا وفعلا واستقامة ظاهرا وباطنا ..
(( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ...
)) هم اليهود .. كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .. لأنهم عصوا رسولهم وقتوا الأنبياء - مثل زكريا ويحيى - .. وبالتالي فان منهجهم وطريقة حياتهم لا يمكن لمؤمن أن يقلدها ..
(( وَلاَ الضَّالِّينَ
)) هم النصارى أخطئوا الطريق بأن أشركوا بالله الواحد القهار ونسبوا إليه الولد والزوجة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وتنزه عن الحدثان وعن الزوج والولد .. وبالتالي فإن منهجهم كذلك يربأ المؤمن أن يقلده أو أن يتخذه سبيلا للسعادة في الدارين
(( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ
(7) ./.
)).. فسبيل المؤمن متسقة الأبعاد .. إنها سبيل الإسلام دين العدل والإعتدال.. دين الرحمة والتسامح .. ولا يبتغي غير ذلك .. ومتى وضح الهدف وتحددت الغاية سهل على المؤمن أن يحيا حياة آمنة مستقرة قوامها التوحيد وحسن اليقين وحسن التوكل على الله وحده .. والعمل الصالح ابتغاء مرضاة الله والسعادة دنيا وآخرة ..
(( آمين
)) .. فما آمين هذه ؟.. آمين : أي ربنا تقبل منا حسن أعمالنا وعبادتنا ..
جاء في سنن أبي داود : (( حدثنا القعنبي ، عن مالك، عن سمي مولى أبي بكر، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(( إذا قال الإِمام :
(( غير المغضوب عليهم ولا الضالين
)) فقولوا: آمين فإِنه من وافق قوله قول الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه
))..
)) وجاء في لسان العرب : (( في حديث أَبي هريرة: أَن النبي .. صلى الله عليه وسلم، قال: آمين خاتَمُ ربِّ العالمين على عباده المؤمنين قال أَبو بكر: معناه أَنه طابَعُ الله على عبادِه لأَنه يَدْفعُ به عنهم الآفات والبَلايا، فكان كخاتَم الكتاب الذي يَصُونه ويمنع من فساده وإظهار ما فيه لمن يكره علمه به ووُقوفَه على ما فيه. وعن أَبي هريرة أنه قال: آمينَ درجةٌ في الجنَّة؛ قال أَبو بكر: معناه أَنها كلمةٌ يكتَسِبُ بها قائلُها درجةً)) ..
• •• // هذا ما يسره الله لنا وفوق كل ذي عليم .. نسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق وصلى الله على محمد عبده ورسوله في المحيا والممات ويوم القيامة آمين ونشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك لـه سبحانه القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار الوكيل المحيط السميع العليم لـه الأسماء الحسنى تنزه عن الشريك والشبيه والنظير والنقصان والحدثان ونشهد أن محمدا رسول الله خير خلق الله جاهد في الله حق جهاد ه وبلغ الرسالة وأدى الأمانة رضينا بالله ربا وبمحمد رسولا وبالقرآن منهجا ودستورا .. ((وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ(118)./.)) – سورة المؤمنون ... آمين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين إلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى في حفظ الله دمتم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أشهد أن لا إله إلا الله
وأشهد أن محمدا رسول الله
لتحميل الكتاب بأكمله http://www.khayma.com/tafsir/