كان المشاكس والمجلّي
إلى الشاعر ممدوح عدوان
شاهداً... وشهيداً
أحنى على جثمانِهِ الصفصافُ
واحتفلتْ به مصيافُ
لم تبْكِ الشَّآمُ... بكتْ
فأوْرقَ في مآقيها الغمامْ
هي غفلةٌ في الظلِّ صاحيةٌ
ويرجعُ بعدَها
يا صاحبيَّ قفا على شبّاكهِ
تَرَياه يثقبُ لؤلؤاً
لغزالةٍ نَفَرتْ إليه من الزِّحامْ
هو ذا كعادتِهِ
يُغازلُ نجمةَ الرُّؤيا... ويغزلُها
يُشمِّسُ في المساءِ خيالَهُ
وينوسُ بين يديْهِ
قنديلُ النُّعاسِ... ولا ينامْ
صاحَ المنادي وهو ينثرُ وردَهُ وبخورَهُ:
ممدوحُ غابَ ولن يعودَ
وتلْكَ سكرةُ موتِه تحت الرُّغامْ
ممدوحُ لم تعجبْهُ ثرثرةُ المنادي
احتكَّ بالقبرِ... وقامْ
كتبَتْ أناملُه على لوح اليقينِ
أنا الذي سهرَ الزمانُ
على شموعِ أصابعي
لم تكتحلْ عصفورةُ السنةِ الجديدةِ
باكتمالِ روائعي
آذيْتنيَ يا موتُ
كيف قطعْتَ نسلَ منابعي
ارتبكَتْ مصابيحي على ميزانِها بعدي
لو أنكَ شاعرٌ أمهلْتني
عاماً إضافياً يساوي ألفَ عامْ
لو كنتَ مثلي عاشقاً أهملْتني
لأظلَّ منشغلاً بتقطيرِ البنفسجِ
في أباريقِ الحقولْ
كنتُ اختصرْتُ أصابعَ الدنيا
بكفِّ حبيبتي "قيرونَ"
لا قيرونَ إلا ها لديَّ
ولا شآم سوى الشآمْ
*******
*****
هذا احتفالُ الشعرِ بالقمرِ المسافرِ
لا تسافرْ
قُمْ نفكَّ عن المدى أزرارَهُ
ليحلِّقَ العشَّاقُ فيه
بلا قيودٍ أو نظامْ
تابعْ غناءَكَ... لا تمُتْ
واصعدْ إلى معراجِكَ المطريِّ
حتى تبزُغَ العصفورةُ البيضاءُ
من حجرِ الظلامْ
ما كنْتَ يوماً عاشقاً للمالِ
فتَّشْنا خزانتَكَ الكئيبةَ ليس فيها
غيرُ قنديلينِ من أرَقِ
وعصفوريْنِ من ألَقِ
وداليةٍ بلا وَرَقِ
وبحرِ قصائدٍ زرقاءَ
من ذَهَبِ الكلامْ
ما كنْتَ عدْواناً على أحدٍ
وفيكَ براءةُ الأزهارِ
فيكَ بلاغةُ الأمطارِ
أنتَ رصاصةُ الوردِ التي تُغْري
تردُّ الذئْبَ عن ماءِ الغديرِ
ليرتوي سربُ الحمامْ
********
******
أنا واحدٌ من جيلهِ في الجامعةْ
كانَ المشاكسَ والمُجلِّي
في الأماسي الرائعهْ
تنسابُ غرَّتُه على قمرِ الجبينِ
فتفلتُ الأنسامُ منها
كان ثالثَنا "علي كنعانُ"
فضَّةُ شعرِهِ لَهَبُ
عذوبةُ صمتِه ذَهَبُ
لماذا يا هوى أحبابُنا ذهبوا؟!!
معاً كنا معاً
يقتاتُ من أيامنا
نابُ الليالي الجائعةْ
أنا واحدٌ من جيلِه في الجامعَةْ
الفَقْرُ منا شوكةٌ
أو قابَ سنبلتينِ أو أدنى
وكنا دائماً كنا
نحدِّدُ موسمَ العَسَل الذي يأتي
ونُمسكُ صبرَنا كي لا يطيرْ
وحينما ينشقُّ بلُّلور ابتسامتِنا
تجيءُ الريحُ فارغةً
ولا تأتي البروقُ اللامعَهْ
أنا واحدٌ من جيلِهِ في الجامعَهْ
********
******
واصلْ غناءَكَ... لا تمُتْ
واخلعْ عن الجسدِ الكفنْ
إنْ لم تعدْ
مَن ذا يغرِّدُ في حديقتنا إذنْ:
واصل طوافَكَ حول شبّاكِ الوطنْ
أنتَ الذي يوم التقيْنا قلتَ لي:
يا صاحبي انشقَّ القمرْ
وتطايرَ الليلُ المضرَّجُ بالمحَنْ
فاهتفْ بما مَلَكَتْ يداكَ
من الشَّجَنْ:
لابدَّ من عكا وإن طال الزمنْ
17/1/2005