أربعاء الورد
إلى زوجتي أم غسان...
حَمَلتْ لي حمصَ ريشةً في جناحيْها
وخلَّفتْ لي في العشّ غسانْ/
وحسام/ وهنادي/ وبسام
متى أيها الأربعاءُ ستأتي!!
وهل أنتَ إلا الحكايةُ
في سندبادِ خيالي!!
وهل "حمصُ" إلا العذوبةُ
في ملحِ صوتي!!
أُناديكَ... رفرفْ عليَّ رذاذاً خفيفاً
أنا مثخنٌ بالمنافي
ويستفرِدُ الحزْنُ بي
وأفتّشُ عن غيمةٍ هاربةْ
تضمِّدُ صحراءَ وقتي
لحمصَ أغنّي
وحمصُ التي سكَنَتني
ثلاثينَ شمساً
تظلُّ عروسةَ شعري
ومصباحَ بيتي
******
****
وحمصُ جناحُ خيالي الذي
لا يُحَدْ
وحمصُ هدايا النّجومِ التي
لا تُرَدْ
أشاكسُ "عاصيَّها" مازحاً
بين جزْرٍ ومدْ
فيخرجُ عن طورِهِ الماءُ
كيف يُشاكَسُ عاصٍ
تقلَّدَ سيفَ المدى
في بلاطِ الأبدْ!!
أظلُّ أُناوشُهُ لأثيرَ هواهُ
وأقطفَهُ ياسميناً مندَّى وشهدْ
تمرُّ فلسطينُ ما بيننا
برتقالاً مدمّى
وغيْمةَ بردْ
من الغيبِ يأتي ابنُ "رغبانَ"(1) أسألُه:
هل صحيحٌ
عصرْتَ رمادَ الحبيبِ نبيذاً
ومتَّ عليه حناناً ووجدْ!!
يجاوبُني وهو يبكي:
وهل يعذُبُ الخمرُ إلا
إذا صُبَّ في كأسِ نارٍ وورْدْ؟!
**** ****
وحمصُ التي دثَّرتني بأشجارِها
تحت سقفِ الرياحْ
أنجبَتْ لي زَيتونةً واحدهْ
وثلاثةَ أحلى رماحْ
وحمصُ التي عمَّدتّني بأمطارِ دهشتِها
على غُصنِها حطَّ قلبي
وقصَّ الجناحْ
*******
****
بكلِّ غموضٍ شفيفٍ أقولُ لكم:
أمُّ غسانَ، حمصيَّةٌ
حمَّصَتْ غربتي في رحيقِ هواها
وكيف التقينا؟؟!
اسألوا طائرَ الغربةِ الجارحَةْ
مُوفَداً من سفير الغيابْ
وهل كان وعداً علينا اللقاءُ بلا موعدٍ
تحت سقفِ الغليلْ!!
إنه النفيُ أوْدَعَني في كتابِ يديها
لأغدو كناراً
على غصنِها الُّلؤلؤيِ الجميلْ
وضاءَ الزمانُ بهيَّ المواعيدِ
حلْو العناقيدِ
وانعقدَ الشّالَ تاجاً
وضاءَتْ فلسطينُ في قلبِ حمصَ
وذُبْنا معاً... فتلاشى الرحيلْ
وها نحن نحلمُ أكثرَ بالوردةِ القادمَةْ
نقدّمُها للجليلْ
"لغسانَ" وقْعُ السَّحابِ على
واحتي المقفلَةْ
يجيء إليَّ وفي فمِهِ
شوكةُ الأسئلةْ:
يا أبي!!! حين قلْتَ سنرجعُ يوماً
إلى طبريَّة
ملأتُ بحبّك كأسي
وأجَّلْتُ عُرسي
"هنادي" التي طالما رفرفَتْ
كالحمامةِ بين يديهْ
تجيءُ إليَّهْ
لتقرأَ ما حَفَرتهُ الليالي على جبهتي
ثم تصرُخ ملءَ دماها:
أحبُّ فلسطينَ أكثرَ منكَ
لماذا جنيْتَ عليَّهْ؟؟!
"حسامُ" الذي لم يكنْ عارفاً
بأمورِ السياسةِ
كاد يطقُّ من القهرِ:
لسنا أحبَّ إلي الموتِ من صِبْيةٍ
يرمحونَ إليه خَفافاً خَفافاً
لماذا إذنْ
لا يعودُ الجليلُ ويافا؟!!
أبي يا أبي!!!
فاسداً كان طقْسُ الحكوماتِ
تحت شتاءِ الدخانْ
وكنّا إلى الموتِ نمشي
ولكنَّها هُدْنةٌ وقَّعوها
وقَعْنا بها
خادعاً كان برقُ الوعودِ
وحيفا التي لبسَتْنا
وشاحاً من الجمرِ والبرتقال
لبسْنا قناديَلها
واتّكأنا على ليلِها
يا أبي!!! كيف مرُّوا سريعاً
وفي ليلة دونما قمرِ سلَّموها!!!!!!!!
"وبسَّامُ" آخرُ عنقودِنا
كم تعزُّ عليَّ نداءاتُه الحائرَةْ
كلَّ صبحٍ وكلَّ مساءْ
لماذا نموتُ هنا
ليعيشَ على قمحِنا الغُرباءْ!!
وأنتَ الذي قلْتَ لي:
عيدُنا جاءَ... هل عيدُنا جاءْ!!
كذبْتَ عليَّ
وهلْ يكذِبُ الشّعراءْ؟!!!
نعم يا أبي يكذبونَ كثيراً
ألمْ تسمَع الوحيَ في صوتهم:
أعذَبُ الشعرِ أكذبهُ
فوق هذا
أقولُ لك الآنَ
أكذَبُ من كذْبِهم
ساسةٌ جبناءْ
21/4/2004
(1) ابن رغبان: هو الشاعر ديك الجن الحمصي.