مقدمة البحث
كان المسرح في الماضي، ولا يزال يشكل أداة مهمة من أدوات الإيصال والتثقيف، وكأي فرع من فروع الثقافة والفن، لا بد أن يعتريه قليل أو كثيرٌ من التطور والتغير، ليس بالضرورة أن يكون ذلك نحو الأحسن، فالأجناس الأدبية، والفنون على اختلافها، يتعاورها مد وجذر، تبعاً لحالات النهوض أو الركود التي تمر بها الأمم والشعوب. وليست أمتنا العربية إلا واحدة من الأمم التي مرّت هي الأخرى في مراحل قوة وضعف، ومراحل نهوض وركود.
وقد أصاب المسرح العربي، ولا سيّما الشعري منه بشكل خاص، ما أصاب العديد من الفنون التي خبا أوارها أو ربما، انقرضت، وأصبحت طيّ النسيان، كالأراجيز، والمقامات، وخيال الظل، وغيرها. ومع أن العرب باعتراف جميع المؤرخين (أمة شاعرة) والشعر ديوانها، والظواهر المسرحية بادية في مجالسها، ومساجلاتها، وحروبها، واحتفالاتها، وأفراحها، وأتراحها، حيث ذكر الدكتور علي عقلة عرسان(1) عدداً كبيراً من هذه الظواهر في كتابه الظواهر المسرحية عند العرب. فإن كثيراً من الباحثين والدارسين اعتبروا أن فن المسرح -جديد وطارئ على مجتمعنا العربي بدأ مع (مارون النقاش)(2) 1232-1271هـ /1817-1855م، الذي حمل أنسام المسرح الغربي (الأوربي) إلى الوطن العربي بحكم إطلاعه المباشر على هذا المسرح.
لقد استطاع هذا الرائد العربي اللبناني الأول للمسرح أن يقدم في بيته في بيروت سنة 1848م مسرحية (البخيل) وفي سنة 1849م مسرحية (أبو الحسن المغفل وهارون الرشيد) ثم أشاد أول مسرح عربي بجوار بيته في بيروت، قدم عليه سنة 1853م مسرحية (الحسود السليط) بتقنيات فنية يحاكي فيها التقنيات التي وصل إليها المسرح الأوربي آنذاك.
وتتالت الأعمال المسرحية بعد ذلك في مصر، وبلاد الشام، والمغرب العربي وسواء أكان للمسرح العربي تاريخ قديم، وملامح هوية مشتركة، أم لَمْ يكن، فإن المسرحيات التي بدأت تظهر هنا وهناك على امتداد الساحة العربية، كانت مستوحاة من التاريخ العربي، والشعر العربي، لذلك نستطيع القول: إن بدايات هذا المسرح كانت قومية المنطلق والأهداف، عربية الامتداد، ومن مظاهر هذا التطلع القومي، انتقال الرواد بفرقهم وأعمالهم المسرحية من بلد عربي إلى آخر، عندما تشتد الحصارات من حولهم، أو حينما يجدون متسعاً للعرض في بلد عربي آخر(3) وكانت اللغة العربية الفصحى هي لغة المسرح، يمازجها الغناء العربي الأصيل، والرقص، والحكواتي، وخيال الظل، وحتى النصوص التي أدّيت باللهجات المحلية استقبلت كنتاج عربي ولم تستقبل كنتاج إقليمي، والسبب أن المضامين التي اشتملت عليها هذه النصوص تعبر عن هموم وآمال عربية.
ونظراً للأهمية الكبيرة التي يحتلها الشعر في تاريخنا الأدبي، والفني، بصفته يدخل في نسيج هذا التاريخ، ويشكل عنصراً هاماً في ملامح الحضارة العربية التي استقت منها الحضارات الإنسانية معظم المعلومات، والأحداث التي شهدتها المنطقة العربية، كان لا بد من محاولة جادة، وجديدة، لدراسة هذا الشعر في البناء الفني الدرامي الذي نادراً ما تخلو حركة شعرية في العالم من بعض تأثيراته.
لما لهذه الدراسات من أهمية في توضيح الجوانب الإبداعية والفنية معاً، الداخلة في نسيج الشعر كجنس أدبي له سماته ومميزاته الفنية الخاصة به، وفي نسيج المسرح فناً مركباً، له عناصره البنائية والفنية الخاصة به أيضاً، وفي توضيح هذه الارهاصات الابداعية الاولى، والظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والفكرية التي رافقت هذه الإرهاصات، ومهدت لها.
هذه العوامل مجتمعة، وعوامل أخرى تتعلق بدور الشعر في بعث الوجدان القومي، ودور المسرح الشعري كشكل من أشكال التعبير الفني عن فاعلية الشعر في الدراما، وقابلية الدراما للشعر الذي يقوم على نظام البيت العربي الأصيل، وبأهمية هذا الشاعر المسرحي الذي يأتي ثالث اثنين من أهم شعراء المسرح الشعري العربي، بعد شوقي(4) وأباظة(5) اللذين حظيا بدراسات نقدية كثيرة حول مسرحهما في حين لم يحظ عدنان مردم إلا بالقليل من الاهتمام، هي التي دفعتني لاختيار موضوع دراستي تحت هذا العنوان (الاتجاه القومي في مسرح عدنان مردم الشعري) حيث كان رائداً من رواد المسرح الشعري في سورية، على مدى نصف قرن من الزمان. والآثار التي من بعده، أصبحت تراثاً شعرياً ومسرحياً لهذا النوع من الكتابة، وأحد المؤشرات الدالة على تطورها، ومفاخرها، فمن حقه علينا، ومن واجبنا تجاهه، أن ندرس هذا التراث، دراسة أكاديمية، في محاولة أولية لفهمه أولاً، وللاستضاءة بنوره ثانياً، ولتقديم صورة عن شكله ومضمونه، وتأثره، وتأثيره في الحركتين الشعرية والمسرحية اللتين واكبتا عصره ثالثاً، ولمساعدة الأجيال العربية في التعرف على هذا المبدع العربي السوري، وللاستفادة من أثاره فيما إذا توفرت البواعث، والموثبات الموقظة لهذا النوع من الشعر وهذا النوع من المسرح في المستقبل.
فالزمان إذن هو العقود الخمسة الماضية من هذا القرن الذي يوشك على نهايته، والمكان هو بلاد الشام التي كان لها أثر بارز، ودور هام في بعث الفكر القومي، وتوضيح مدلول القومية العربية على الصعيد الشعري والمسرحي.
تنزيل نسخة مضغوطة عن الكتاب
http://www.awu-dam.org/book/99/study99/148-h-h1/148-H-H1.zip
كان المسرح في الماضي، ولا يزال يشكل أداة مهمة من أدوات الإيصال والتثقيف، وكأي فرع من فروع الثقافة والفن، لا بد أن يعتريه قليل أو كثيرٌ من التطور والتغير، ليس بالضرورة أن يكون ذلك نحو الأحسن، فالأجناس الأدبية، والفنون على اختلافها، يتعاورها مد وجذر، تبعاً لحالات النهوض أو الركود التي تمر بها الأمم والشعوب. وليست أمتنا العربية إلا واحدة من الأمم التي مرّت هي الأخرى في مراحل قوة وضعف، ومراحل نهوض وركود.
وقد أصاب المسرح العربي، ولا سيّما الشعري منه بشكل خاص، ما أصاب العديد من الفنون التي خبا أوارها أو ربما، انقرضت، وأصبحت طيّ النسيان، كالأراجيز، والمقامات، وخيال الظل، وغيرها. ومع أن العرب باعتراف جميع المؤرخين (أمة شاعرة) والشعر ديوانها، والظواهر المسرحية بادية في مجالسها، ومساجلاتها، وحروبها، واحتفالاتها، وأفراحها، وأتراحها، حيث ذكر الدكتور علي عقلة عرسان(1) عدداً كبيراً من هذه الظواهر في كتابه الظواهر المسرحية عند العرب. فإن كثيراً من الباحثين والدارسين اعتبروا أن فن المسرح -جديد وطارئ على مجتمعنا العربي بدأ مع (مارون النقاش)(2) 1232-1271هـ /1817-1855م، الذي حمل أنسام المسرح الغربي (الأوربي) إلى الوطن العربي بحكم إطلاعه المباشر على هذا المسرح.
لقد استطاع هذا الرائد العربي اللبناني الأول للمسرح أن يقدم في بيته في بيروت سنة 1848م مسرحية (البخيل) وفي سنة 1849م مسرحية (أبو الحسن المغفل وهارون الرشيد) ثم أشاد أول مسرح عربي بجوار بيته في بيروت، قدم عليه سنة 1853م مسرحية (الحسود السليط) بتقنيات فنية يحاكي فيها التقنيات التي وصل إليها المسرح الأوربي آنذاك.
وتتالت الأعمال المسرحية بعد ذلك في مصر، وبلاد الشام، والمغرب العربي وسواء أكان للمسرح العربي تاريخ قديم، وملامح هوية مشتركة، أم لَمْ يكن، فإن المسرحيات التي بدأت تظهر هنا وهناك على امتداد الساحة العربية، كانت مستوحاة من التاريخ العربي، والشعر العربي، لذلك نستطيع القول: إن بدايات هذا المسرح كانت قومية المنطلق والأهداف، عربية الامتداد، ومن مظاهر هذا التطلع القومي، انتقال الرواد بفرقهم وأعمالهم المسرحية من بلد عربي إلى آخر، عندما تشتد الحصارات من حولهم، أو حينما يجدون متسعاً للعرض في بلد عربي آخر(3) وكانت اللغة العربية الفصحى هي لغة المسرح، يمازجها الغناء العربي الأصيل، والرقص، والحكواتي، وخيال الظل، وحتى النصوص التي أدّيت باللهجات المحلية استقبلت كنتاج عربي ولم تستقبل كنتاج إقليمي، والسبب أن المضامين التي اشتملت عليها هذه النصوص تعبر عن هموم وآمال عربية.
ونظراً للأهمية الكبيرة التي يحتلها الشعر في تاريخنا الأدبي، والفني، بصفته يدخل في نسيج هذا التاريخ، ويشكل عنصراً هاماً في ملامح الحضارة العربية التي استقت منها الحضارات الإنسانية معظم المعلومات، والأحداث التي شهدتها المنطقة العربية، كان لا بد من محاولة جادة، وجديدة، لدراسة هذا الشعر في البناء الفني الدرامي الذي نادراً ما تخلو حركة شعرية في العالم من بعض تأثيراته.
لما لهذه الدراسات من أهمية في توضيح الجوانب الإبداعية والفنية معاً، الداخلة في نسيج الشعر كجنس أدبي له سماته ومميزاته الفنية الخاصة به، وفي نسيج المسرح فناً مركباً، له عناصره البنائية والفنية الخاصة به أيضاً، وفي توضيح هذه الارهاصات الابداعية الاولى، والظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والفكرية التي رافقت هذه الإرهاصات، ومهدت لها.
هذه العوامل مجتمعة، وعوامل أخرى تتعلق بدور الشعر في بعث الوجدان القومي، ودور المسرح الشعري كشكل من أشكال التعبير الفني عن فاعلية الشعر في الدراما، وقابلية الدراما للشعر الذي يقوم على نظام البيت العربي الأصيل، وبأهمية هذا الشاعر المسرحي الذي يأتي ثالث اثنين من أهم شعراء المسرح الشعري العربي، بعد شوقي(4) وأباظة(5) اللذين حظيا بدراسات نقدية كثيرة حول مسرحهما في حين لم يحظ عدنان مردم إلا بالقليل من الاهتمام، هي التي دفعتني لاختيار موضوع دراستي تحت هذا العنوان (الاتجاه القومي في مسرح عدنان مردم الشعري) حيث كان رائداً من رواد المسرح الشعري في سورية، على مدى نصف قرن من الزمان. والآثار التي من بعده، أصبحت تراثاً شعرياً ومسرحياً لهذا النوع من الكتابة، وأحد المؤشرات الدالة على تطورها، ومفاخرها، فمن حقه علينا، ومن واجبنا تجاهه، أن ندرس هذا التراث، دراسة أكاديمية، في محاولة أولية لفهمه أولاً، وللاستضاءة بنوره ثانياً، ولتقديم صورة عن شكله ومضمونه، وتأثره، وتأثيره في الحركتين الشعرية والمسرحية اللتين واكبتا عصره ثالثاً، ولمساعدة الأجيال العربية في التعرف على هذا المبدع العربي السوري، وللاستفادة من أثاره فيما إذا توفرت البواعث، والموثبات الموقظة لهذا النوع من الشعر وهذا النوع من المسرح في المستقبل.
فالزمان إذن هو العقود الخمسة الماضية من هذا القرن الذي يوشك على نهايته، والمكان هو بلاد الشام التي كان لها أثر بارز، ودور هام في بعث الفكر القومي، وتوضيح مدلول القومية العربية على الصعيد الشعري والمسرحي.
تنزيل نسخة مضغوطة عن الكتاب
http://www.awu-dam.org/book/99/study99/148-h-h1/148-H-H1.zip