دنيا الأسرار!
كان يا ماكان، يا مستعمي الكلام، كان في قديم الزمان أمير صغير اسمه وحيد. وكان اسمه مناسباً له، فهو يحب أن يبقى، وحيداً في غرفته مع ألعابه وكتبه وأفكاره وخياله البعيد. وذات يوم من الأيّام، وكان مستغرقاً في لعبه وتأملاته، سمع صوتاً حنوناً ناعماً يقول: وحيد..! لماذا أنت وحيد؟
تلفّت حوله ليرى مصدر هذا الصوت، فلم ير أحداً، فظنّ أنه وهم من أوهامه، عاد وتابع ما كان فيه، فسمع الصوت يتكرر وحيد..! لماذا أنت وحيد؟
[size=16]فتلفّت، مرّة أخرى، فلم يجد أحداً. وتساءل: من أين يأتي هذا الصوت الجميل العذب؟
[size=16]وكاد يعود إلى لعبه لولا أن سمع الصوت يخاطبه
[size=16]-وحيد..! انظر إلى جانبك الأيمن.
[size=16]نظر إلى يمينه فوجد في الجدار بنتاً في مثل سنّه، رائعة الجمال، ومن خلفها بستان واسع، واستغرب ذلك، وأحسّ بالخوف، فقالت له الفتاة:
[size=16]لا تخف يا وحيد! أنا من العالم الآخر! وأنا أميرة مثلك، رأيتك وحيداً بلا أصدقاء.
[size=16]قال لها:
[size=16]-أصدقائي هم ألعابي وكتبي، لقد تعوّدت أن أكون وحيداً معهم وأهلي مشغولون عنّي دائماً.
[size=16]قالت:
[size=16]-لهذا جئت لنصبح صديقين، ما رأيك؟
[size=16]قال وحيد:
[size=16]-هذا يسعدني.. موافق
[size=16]قالت:
[size=16]-على شرط واحد
[size=16]-وما هو هذا الشرط؟
[size=16]-أن يبقى الأمر بيننا سراً، لا تبوح به لأحد، حتى لأمك وأبيك.
[size=16]-ولكن.. لماذا؟
[size=16]-لأنني من عالم آخر، والسر عندنا يجب أن يبقى مصوناً، وأحذّرك:إذا بُحت بالسر لقيت مالا يرضيك.
[size=16]هزّ وحيد رأسه موافقاً، فقالت له:
[size=16]-إذا أردت أن تراني فنادني بصوت مهموس وقل "يا نارة! أنا وحيد.. أحضري في الحال" كرّر هذا النداء ثلاث مرات، فأحضر في الحال.
[size=16]قال وحيد متعجباً:
[size=16]-اسمك نارة؟ يا له من اسم غريب! أريد أن أطرح عليك سؤالاً.
[size=16]-اطرح ما شئت من الأسئلة، فنحن أصبحنا صديقين.
[size=16]-أراك جميلة، رائعة، وتشبهين البنات اللواتي أعرفهن، وأناأسمع أن لكم أشكالاً مختلفة عنّا.
[size=16]ابتسمت نارة وقالت:
[size=16]-أنا أشبهكم، حين أكون راضية وحين أغضب يتغير شكلي.
[size=16]قال وحيد وهو يحس بالخوف:
[size=16]-وكيف لي أن أعلم من أي شيء تغضبين؟
[size=16]-معك لن أغضب إلاّ.. إلاّ إذا أفشيت سرّنا.. فحذار.
[size=16]فاطمأنّ وحيد وقال:
[size=16]-لاتخافي لن يعرف أحد من البشر سرّنا فقالت له، وهي تودّعه، وتختفي في الجدار :
[size=16]-لا تنس ذلك، إلى اللقاء يا وحيد!
[size=16]واختفت، وبقي وحيد ذاهلاً عن نفسه، وكأن ما رآه كان حلماً لا يصدّق مرّ في نومه. فقرص خده بقوة فتألم، وعرف أن ذلك كان في اليقظة، وليس في الحلم وليتأكد أكثر أخذ يهمس:
[size=16]"يا نارة أنا وحيد.. احضري في الحال" وكرّرها ثلاثاً، وفي الحال، انفتح الجدار، وظهرت نارة وهي تبتسم وتقول:
[size=16]-كنت أعلم أنك ستناديني لتتأكد!
[size=16]واختفت، في الجدار، من جديد.
[size=16]وهكذا أصبح وحيد ونارة صديقين، وأصبحت صداقتهما سرّاً لا يدري به أحد. وبين الحين والآخر، وحين يملّ وحيد من ألعابه وكتبه ينادي هامساً ثلاث مرّات:
[size=16]"يا نارة! أنا وحيد.. احضري في الحال!"
[size=16]وفي الحال ينشق الجدار عنها، فيلعبان ويقص أحدهما على الآخر بعض القصص، ويحدّثها عن نفسه، وعن أمه وأبيه، وعن مدينته، التي لا يعرف ناسها إلاّ من بعيد، وتحدّثه عن ذلك العالم الآخر، وما فيه من غرائب وعجائب. ويبقى بعد اختفائها وقتاً طويلاً، شارداً مسحوراً بما سمع. وتمنّى في قرارة نفسه أن يحصل على شيء من عالمها الغريب. وذات يوم، وبعد أن احتفل وحيد بعيد ميلاده في القاعة الفسيحة، وتسلّم الهدايا من أمه وأبيه وبعض أقاربه، عاد إلى غرفته، وفوجئ بهدايا ثلاث تنتظره على الطاولة: عصفور ملون في قفص، ووردة حمراء، وكتاب مغلق. وتوقّع أن تكون هدّية نارة في هذه المناسبة. وقال في نفسه: كنت أتمنّى أن تكون هديتي من تلك الأشياء الغريبة التي حدّثتني عنها نارة، فالعصافير عندنا كثيرة، والورود في حديقتنا بألوانها الرائعة، تتفتح كل صباح، والكتب تملأ مكتبتي، فماذا أحضرت إليّ نارة من جديد؟