حكاية المهر"دحنون"
منذ أن ولد المهر الأحمر امتلأت الدار بالفرحة وكأنَّ عرساً يدور فيها، فكنت ترى الناس يروحون ويجيئون، وكلهم يريدون أن يروا هذا المهر الذي يشبه لون زهر"الدحنون" فعلاً ذلك الزهر المعروف جداً في سهول فلسطين، حتى أن الشمس لحظة شروقها على تلك السهول تبدو واحدة من زهور الدحنون الحمراء!
قال أبي: نسميه دحنون
[size=16]ومن يومها كلما سمع اسمه رفع أذنيه، وأرهف السمع، شاعراً بمحبة الناس له وبخاصة الصغار، فكان يقترب منهم ويبدأ يشم أصابعهم الصغيرة بفمه الدافئ. وهم يربّتون على غرة بيضاء في جبينه، ويمسحون شعر عرفه الأشقر.
[size=16]مرة، حينما رأى أخي الصغير يتدحرج فوق المرج الأخضر جاء المهر"دحنون" وانبطح إلى جانبه وهو يصهل وكأنه يقول: هيا نكمل اللعبة!
[size=16]هكذا بدا لنا جميعاً أن المهر أليف وقريب إلى قلوبنا جميعاً حتى أننا أحسسنا بغيابه حين كان يرافق أمه إلى الحقل أيام الحراثة فننتظر عودته بشوق ولهفة!
[size=16]كنا نراه يمرق من أمامنا مثل سهم ثم يعود ليتوقف قليلاً بالقرب منا، وقد ينحني ليقضم خصلة من العشب النامي قرب الجدار، ثم يرفع رأسه فجأة وينطلق راكضاً وكأنه يرقص منقّلاً قوائمه بأسلوب غريب لا تتقنه إلاّ الخيول الأصيلة!
[size=16]وقد سمعت أبي يشهد أن هذا المهر الرائع ينتمي إلى سلالة أصيلة فعلاً ثم راح يسمّي عدداً من أجداد"دحنون" ويذكر أسماء الفرسان الذين خاضوا حروباً قاسية على صهوات تلك الخيول الرائعة ضد العدو التركي ثم الإنجليزي أيام الثورات التي مضت.
[size=16]لكن، يا بني-قال أبي- كم تغيّرت الأحوال: وظروف العمل فرضت علينا أن نروّض هذه الخيول الأصيلة لتساعدنا في أعمالنا الزراعية، هذا محزن حقا ولكن أعتقد أنه لا حيلة لنا!
[size=16]وروى أبي كيف أن فرساً من هذه الخيول، بيضاء مثل حمامة، حين سقط فارسها في مواجهة مع المحتلين الإنجليز عند إحدى قرى الجليل، حاولت أن تنهضه، فراحت تلمس صدره بفمها، وحين شعرت أن حرارة الروح قد فارقت جسده، وأنه لن ينهض بعد وقفت عند رأسه وبدأت تذرف الدمع!
[size=16]نعم، حين وصل الناس رأوا ثياب الشهيد مبللة بالدم ثم بدموع فرسه الأصيلة.