العراقيون يكافحون حرب التجويع والفقر:نص مترجم
د. عبدالوهاب حميد رشيد
العراق الذي مزقته الحرب (الاحتلال) يعاني الآن من أزمة اقتصادية غير مسبوقة، مصحوبة بفقر واسع النطاق، مستويات عالية من البطالة، وتدهور ظروف العمل بالنسبة لمن وافتهم فرص الحصول على عمل.
أظهرت دراسات عديدة مدعمة من خبراء سياسيين، أن عدد العراقيين ممن يعيشون تحت خط الفقر اتجه نحو التصاعد منذ الاحتلال الأمريكي للبلاد قبل أكثر من ثلاث سنوات. إن واحداً من كل خمسة عراقيين، حالياً، يعيشون تحت خط الفقر، وذلك وفق البيانات التي صدرت عن وزارة العمل العراقية في شهر كانون الثاني/ يناير من هذا العام.
لقد “كشفت دراسة صدرت عن الوزارة المذكورة بالتعاون مع صندوق النقد الدولي IMF وبرنامج الأمم المتحدة للإنماء UNDP أن 20% من سكان العراق يعيشون تحت خط الفقر.” ذكرت ليلى كاظم مدير عام دائرة الشؤون الاجتماعية في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية “بحدود مليوني عائلة عراقية تعيش تحت خط الفقر حسب المعايير الدولية لهذا المفهوم والتي تحدد خط الفقر بحصول الفرد على دخل قدره دولار أمريكي واحد في اليوم.”
يلاحظ أن كل يوم جديد في العراق يصاحبه، على الأقل، مقتل عامل واحد أو أحد الباحثين عن عمل من العاطلين، علاوة على الهجمات المسلحة للمقاومة العراقية ضد قوى الاحتلال. إن حرب آذار/ مارس 2003 على العراق انتهت ليس فقط إلى تفجير العنف في الساحة العراقية ومن ثم غياب الاستقرار السياسي، بل كذلك أدت إلى بطالة واسعة في العراق بلغت 70%.
يمكن ملاحظة أعداد العاطلين عن العمل من خلال ظاهرة تجمعاتهم في العاصمة وبقية المدن العراقية، وهم ينتظرون الحصول على أي عمل مهما كان متواضعاً. كذلك فإن ظاهرة البطالة هذه بارزة في مناطق معينة من العاصمة: الباب الشرقي، الكاظمية، بغداد الجديدة، البياع، حيث زهق العنف المستمر حياة العديد منهم.
يضاف إلى ذلك أن أعداداً من العاملين أو الباحثين عن العمل من العاطلين، فقدوا حياتهم نتيجة الهجمات الانتحارية والتفجيرات. وأن العاملين في القطاعين العام والخاص تعرضوا بصورة متكررة للخطف وأحياناً لهجمات مسلّحة على السيارات التي تقلهم أو تفجيرها.
في حادثة مماثلة حصلت هذا الشهر، هاجم مسلّحون سيارة تقل مجموعة تضم 64 عاملاً عراقياً يعملون في إحدى مؤسسات وزارة الصناعة بعد انتهاء وقت عملهم في التاجي- شمال بغداد- وقاموا بخطفهم. وفي حادثة أخرى مماثلة حدثت كذلك في نفس الشهر، خطف مسلّحون 50 مستخدماً يعملون لدى شركة سفريات في بغداد. وأيضاً تعرض العديد من عمال البناء في البصرة إلى الاختفاء أو الخطف.
كما أن البطالة التي تعيشها المرأة العراقية تشكل ظاهرة مفرطة بلغت 85%. بينما أشارت احصاءات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية إلى أن 142 ألف عراقي ممن قدموا طلبات للحصول على العمل والمعونة الاجتماعية، فإن نسبة الخريجين الجامعيين الجدد من هذا العدد بلغت 65%.
منذ سقوط بغداد، تعرضت مصانع ومشروعات القطاع العام إلى النهب والسرقات والتدمير. وبالمقابل فإن عائلات عراقية كثيرة أصبحت بلا مأوى نتيجة الهجمات الجوية الأمريكية الكثيفة على مدن عراقية عديدة. وهذه العائلات اضطرت إلى اللجوء لمباني المشروعات والمصانع الحكومية الخالية المتروكة لاستخدامها ملاجئ لإقامتهم.
“جئت من الناصرية إلى بغداد بحثاً عن أي عمل يمكن أن يوفر لي أي قدر من النقود” قالها سعيد فايز إبراهيم العاطل عن العمل والبالغ من العمر 38 عاماً. “إن الحصول على عمل في بغداد أصبح صعباً على نحو متزايد ” حسب قول العاطل عن العمل محمد عباس. بينما يذكر مواطن عراقي آخر “يتوجب عليّ أن أدفع شيئاً من النقود للتقدم بطلب عمل. لقد قبلت ذلك، لكني لم أحصل على العمل، ولا زلت أنتظر منذ شهرين”.
عملت إدارة بوش منذ بداية الحرب (الاحتلال) على شل الاتحادات العراقية من أجل تسهيل وتمرير الخصخصة. ورغم ما قيل عن تخصيص بلايين الدولارات من قبل الكونغرس لاعمار العراق، فإن العمال من مشتغلين وعاطلين لم يشعروا بوجودها. إن إدارة بوش التي عملت، منذ اليوم الأول للاحتلال، على تحويل الاقتصاد العراقي من خلال خصخصة مشروعات القطاع العام، قد فشلت في حماية حقوق القوى العاملة العراقية.
وحتى انتخابات ديسمبر/ يناير، حيث كانت محل ترحيب قوي من قبل إدارة بوش واعتبرتها “تحولاً حقيقياً للبلاد”، فإنها فشلت في إحداث أي تغيير في العراق. إن قوى الاحتلال لا زالت جاثمة على أرض العراق، والعراقيون خاضعون لحكومة مصطنعة أخرى تعمل في ظل السيطرة الأمريكية وتأثيرها.