تنويه لا بد منه
قبل الدخول إلى صلب هذا الكتاب أرى أن من واجبي الإشارة إلى أسباب تأخره في الصدور، وإلى مسائل أخرى ستتضح لاحقاً في هذا التنويه.
[size=12]وبخصوص تأخر صدوره فإن المخطوط قد ظل نحواً من عام في إحدى دور النشر الدمشقية دون أن ينشر رغم أنه كانت هناك موافقة مسبقة على ذلك. أما لماذا لم تقم تلك الدار بإصداره في ذلك العام فهو ما لا أملك الإجابة عليه، ولا أعتقد الآن أن لتلك الإجابة أية قيمة مهما تكن طبيعتها. على أن هذا الكتاب عاد فتأخر البتّ بأمر نشره عامين آخرين في اتحاد الكتاب العرب بدمشق، وكان العام الأول بسبب تقاليد النشر في الاتحاد حيث كانت لي رواية قيد الصدور الأمر الذي حال دون دفعه إلى لجان القراءة.. أما العام الثاني فقد انقضى والمخطوط يدور بين أيدي عدد من الزملاء والقراء في تلك اللجان.
[size=12]والمهم أنه خلال هذه السنوات حدثت تغييرات كبيرة على السطح السياسي لدولة الكيان الاستيطاني الصهيوني إذ قتل رابين: زعيم حزب العمل، ورئيس الوزراء في تلك الدولة.. وحل محله شمعون بيريز- صاحب (الكتاب/ البرنامج الصهيوني) الذي نحن بصدد تحليله- في رئاسة الحزب كما في رئاسة الوزارة. ومن تحت القناع- قناع حمامة السلام الذي كان يبدو مقنعاً لكثير من الأطراف، والعربية منها على وجه الخصوص- كان الجنرال الصهيوني المشبع بالحقد والمكر التلموديين يبرز أنيابه وأظفاره التي تشتغل بضراوة نادرة المثال ضد العرب: سواء في الأرض المحتلة أم في الجنوب اللبناني.
[size=12]غير أن الثكنة العدوانية تظل -ضرورةً- محكومة بروح أنها ثكنة عدوانية، والعقل الصهيوني يظل مرغماً على أن يكون ذاته.. ولما كانت الأوضاع العربية عموماً آخذة في المزيد من التردي، والوضع العالمي آخذاً في المزيد من الاضطراب في هذه الفترة الانتقالية من التاريخ العام للحضارة البشرية، وهو اضطراب تبيح فواعله للحلف الصهيوني /الأمريكي- ولو سطحياً وبصورة عرضية حسبما نعتقد- أن يشتغل كما لو أنه قادر على صياغة المصائر العامة للكوكب برمته، فإن العقل الصهيوني وروح الثكنة العدوانية قد بدا لهما أن أسلوب "المخاتلة الثعلبية" للسيد بيريز وحزبه ما عاد ضرورياً. وهكذا صعد الليكود بزعامة ناتانياهو إلى سدة السلطة في دولة الكيان الصهيوني وسط تصوّر يقول: إنه لا داعي لمسايرة العرب كي يركعوا، بل يمكن تركيعهم نهائياً دونما قيد أو شرط ومن غير مسايرة أو مناورات.. فلقد بدأ عصر (العولمة) التي نرى أنها -إن كانت قابلة للتحقيق- ليست إلا النموذج التطبيقي للتصورات الإمبراطورية التلمودية حيث (العقل والرأسمال) الصهيونيان يعملان بكامل طاقتهما لجعل هذه (العولمة) متحققة، وفي قبضتهما!.. وعليه يكون مشروع (الشرق الأوسط الجديد) مجرد حلقة في سلسلة الحلقات التي لا بد من تحقيقها مستقبلاً كي تصير (العولمة) واقعاً ناجزاً... وكي تكون الثكنة الاستيطانية في أرضنا الفلسطينية مركز إدارتها الفعلي!!