معراج الألـف
1
1
استيقظت "حم" ([1]) من نومها في ليلة مباركة طلع بدرها، وتهاطلت أنوارها من شرفات الصفات، وعزفت نجومها موسيقى الصمت على أوتار الحضور.
رفعت رأسها، وأجالت الطرف في أنحاء البيت الذي درست جدرانه فلم يبق منه غير سقف مرفوع وباب موضوع بلا مزلاج. بحثت عن ابنها فلم تره في البيت فأدركت أن الريش قد بدأ يكسو جناحيه، وأنه لابد لـه أن يتعلم الطيران، فتأهبت للفراق، وراحت تناديه للعناق، والدموع في عينيها ترسل أعذب النغمات.
كنت في روضة عنقاء، أجمع طاقة من الزهور الحمراء والبيضاء، حين سمعت نداء "حـم"، فهرعت إلى فرس الفجر وامتطيته، وأطلقت لـه العنان.
فرد فرس الفجر جناحيه، وطوى بي المسافات متجهاً نحو مصدر النداء. وفي الطريق الطويلة امتشقْت نجمة الصبح ورحت أسوق أمامي قطعاً من الليل حتى إذا برز النهار لاستقبالي من خباء "حيّ على الفلاح" كنت قد وصلت الديار وقرعت باب الدار.
ـ أيتها الروح المفارقة أمها ما الذي أخرك عني ؟
هكذا قالت "حـم" وهي تغزل بصنارتين من فرح الأمومة قميصاً لابنها.
ـ كنت أجمع لك طاقة من الزهور الملونة.
قلت هذا ومددت يدي إلى السلة لأقدم لها ما جمعت منذ الصباح فلم أجد غير نجوم ذابلات منطفئات.
تبسمت "حـم" وقالت: يا ولدي سأعلمك الطيران، فأنت لن تستطيع قطف النجوم من حديقة الورد الملكية قبل أن تنبت أرياش خوافيك وقوادمك.
ـ منذ أن فارقتك يا حـم لم أذق طعاماً، فهل أجد عندك ما يسد الرمق، وأتزود به في رحلتي؟
وقفت "حـم" أمام التنور وراحت تخبز لي أرغفة من حنطة سنابلها لم تحصد، وأنا الجائع أتناول منها ما يسد الرمق بعد التعب، ثم راحت تملأ لي سلتي أرغفة رقَّت وصفت فهي الماء الزلال. ورحت أنظر فيها فأرى وجهي المكنون ووجه حبيبي المحجوب، وهي تتبسم لي وتقول:
تنزيل نسخة مضغوطة عن الكتاب
http://www.awu-dam.org/book/04/novel04/125-a-r/125-a-r.zip