الوحام
ما إن وطئت قدمه أرض مكة، حتى خر ساجداً، معفراً جبينه، مقبلاً ترابها المقدس.
أحس بسعادة لا قبلها ولا بعدها سعادةٌ... سعادةٌ غامرةٌ تسربله، هو غير قادرٍ على وصفها، أو التعبير عنها.
[size=12]سحابةٌ زرقاءٌ ـ بيضاء تحمله في فضاء لا متناه يفضي إلى برزخٍ رائعٍ بهيجٍ.
[size=12]فيض فرحٍ، يثلج الصدر، ينعش النفس، يبهج القلب، أحس أنه خفيفٌ كما ريشةٌ، وهو الذي بثقل فيلٍ.
[size=12]الحمد لك يا ربُ.
[size=12]والشكرُ للسيدة الوالدة، التي حضتهُ، ودفعتهُ كي يؤدي فريضة الحجِ. فهو لم يعتقد أنه سيكون سعيداً، بهذا المقدارِ. ولم يتوقع هذه الفرحة الفياضة التي تغمر الروح، وتزكي العقل، وتجعل الجسدَ خفيفاً.
[size=12]الحمد لك يا رب.
[size=12]والشكر للسيدة والدته. إنه في الديار المقدسة، إنه في مكة، هذا هو المسجد الحرامُ، وهاهي ذي الكعبة. نعم، هذا البيت العتيق..
[size=12]وهاهو ذا، قد جاء ليغتسل من ذنوبهِ، ويتطهرَ من آثامهِ.
[size=12]شعوره بهذه السعادة الغامرة، وإحساسه بهذه الراحة النفسيةِ، جعلاه على يقينٍ تامٍ، بأنه سيعود نظيفاً، كيوِمِ ولدتهُ أمهُ. وبدا متلهفاً للغد، حيثُ سيطوفُ حولَ الكعبةِ. وسيلمسُ الحجرَ الأسودَ، الذي سيشهدُ لـه يوم القيامةِ.
[size=12]وسيعود طاهراً، تائباً، وحجتهُ بإذن الله، مقبولةٌ.
[size=12]في غمرةِ هذه السعادة السماويةِ التي هبطت عليه، قرر أن لا ينامَ. فكيف ينامُ، وهو قريبٌ من الكعبةِ، وهو في المسجد الحرامِ ـ هو في بيتِ اللهِ. لذا، قرر أن يبقى قائماً يصلي.. قرر أن يقضيَ الليلَ راكعاً ساجداً، متضرعاً، متوسلاً، فهو في الحضرةِ القدسيةِ.
[size=12]وأبوابُ السماءِ مفتوحةٌ. لهذا كله. يجب أن لا يغمضَ لـه جفنٌ، حتى موعد الطوافِ. فالثوابُ على قدرِ المشقةِ.
[size=12]لكن في الهزيع الأخير من الليل، سطا عليه النوم. النوم سلطان. وسرقته غفوة.. لحظة، لحظات. أو دقائق قليلة... واستيقظ مذعوراً. لقد انطفأت سعادته...