أحمد يعود إلى سلفيت.
-1-
تدفَّقتْ رؤاه ودموعه. أُصيب الرجل بالخوف. أحسَّ بقوة تدفعه للنهوض.. وقف أمام صورة ملوَّنة زاهية له، تتصدَّر الغرفة. رفع رأسه محاولاً تقبيلها.
[size=12]أهي الذكريات تتلامح أمامه، يوم انفجرت العُبْوة الناسفة، وحمله جنديان إسرائيليان، ووضعاه في سيَّارة عسكرية، وإلى جانبه يديه تستلقيان وتتعفَّران بالدماء.. عندها ترحَّم على أيام المراهقة والمطاردة، ومشاعر الفرح فراشات تحوم وتحوم وتقطف نبضة ودمعة، وتطبع قبلة...
[size=12]يفتح كفيّه للهواء، ويكتفي باحتضان عينيه ابتسامة منها، يجمعها في قبضته خوفاً عليها من الفرار، إلاّ أنّه سرعان ما يشعر بما يدفعه لإكمال رسالة كتب منها مقطعاً ولم يكملها، فدخلت أمُّه وقطعت سلسلة أفكاره. ابتسم لها وطلب كأساً من عصير البرتقال، وأن تثّبت له الورقة على سطح المرسم الملبَّد بأقلام الفحم والرصاص والألوان المائية والعلب الفارغة، وفضاء يزدحم بفوضى فنيّة عارمة.
[size=12]مرتسم تزيّنه بقع ولطخات وخطوط وهندسة غريبة... رغم كلّ ما أصابه من ألم وذكريات من الصعب رصدها في جوٍّ مسحوق، تطحنه ذكريات زنزانة منعزلة.
[size=12]ظلّت الأشياء تدور في رأسه وتدور، بينما كان يضع القلم في فمه ويضغط عليه بين أسنانه، ثم يرفع قدمه اليُمنى ويأخذ يقرّبها من وجهه شيئاً فشيئاً.
[size=12]ضحك أحمد ضحكة طويلة، تبدأ عند ذيل غيمة رمادية مُهاجرة، تدرّجت ضحكته، ترافقت مع صوت خطوات مسرعة، تبيّن أنَّ أمَّه جاءت تستطلع ما جرى له.
[size=12]أخذ الفرح يتسلَّق قامة أمّه الواقفة في باب المرسم، بينما كان يثبّت القلم بين أصابع قدمه، ويتابع كتابة رسالة إلى حبيبته التي تركت كومة من دموعها مُتجمّدة فوق وجنتيه، وهو ما يزال ينتظر همسة منها ولمسة من يدها إلى هذا اليوم!.