قال الراوي... البارحة أكملت لكم قصة الشاعر ماهر البدوي الذي تخفى في زي بائع الأمشاط والمرايا ووقف تحت شرفة حبيبته الأميرة فينوس بنت سلطان الجزر الأربع.
نحن أيضاً كنا أربعة أشباح وخامسنا الليل حينما تكلم الراوي.. لقد قال: البحر كان يعلم ويبارك، والجزر الأربع والسماء، لكن الناس في تلك القلاع العائمة يكرهون الحب بل يكرهون حتى الشعراء.. وقالوا: قد أحبت شاعراً صعلوكاً لا يملك من حطام الدنيا غير خرج محشو بالكتب والكراريس.. فهل عجزت الدنيا عن أن تلد غير الشعراء.. الشعراء فقراء.. كلهم صعاليك، رأسمالهم هذه البضاعة الفاسدة التي اسمها الحب... وقال شيخ من بطانة السلطان -تجارة الشعراء كاسدة في البدء وبضاعتهم فاسدة منذ الأزل.
ومضى الراوي يقول، والليل لم يزل في أوله ونحن أربعة، والكون فقاعة كبيرة علمها عند علام الغيوب، ونحن أربعة.. لقد باح الليل بسر الهوى الفاضح وكذلك الجزر الأربع والسماء والبحر...
هل رآها بائع الأمشاط والمرايا في ذلك المساء.. لم يكن وجه فينوس مثل الوجوه، ولكنه الشوق النبيل إلى معانقة الكون بأسره.
وعيناها... رباه "هاتان لم تكونا عينين" ولكنهما النداء والصد، الإثم والغفران، الحياة والموت، وكان الشاعر البدوي يعرف تينك العينين وسر السماء المودع فيهما، شعرها كان ثملاً معربداً ومتعباً يود لو يستريح على كتف عاشق مذبوح.
هل عانق خصرها ساعة بائع الأمشاط والمرايا... لم يكن خصراً ولم يكن كشحاً هضيماً، ولكنه مشنقة يتأرجح من تحتها جسد غريب.
فينوس يارفاق الظلام.. امرأة الفجيعة والموت، وأنثى النداء المحموم والعويل، وفي ليل الصبوات والسأم تلتقي بكر وتغلب وعبس وذبيان، وقلوع الشاعر البدوي نشرت فأبحر في الدماء، والحب... الحب هذه الفجيعة والحسرة، الحب والموت صِنوان في بدء الخليقة، والتقت بكر وتغلب وعبس وذبيان، الحرب في الجزر الأربع والغريم واحد والقاتل على مرمى البصر والمقتول واحد، وفي قلب الموت شاعر مضرج بدمائه ويتلو.. ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني... وبيض الهند تقطر من دمي.
لكن الرماح السمهرية ظمأى للدم الملوث بالحب... لله ما أغلى دم الشاعر العاشق لقد مات ماهر البدوي.. قتلوه تحت شرفة الأميرة...
في ساعة توقف فيها البحر عن المد والجزر، وليس في الغابات طير يغني، لا يسمع للنهر خرير، لقد توقف الكون عن النمو تلك الساعة الرهيبة من الزمان، لقد ضاعت أنفاسه عبر الأثير، تلك الأنفاس المضمخة بعبير الضفاف والأودية البعيدة، لقد طالما بثها لفينوس عبر تلك القصبة السماوية، وذلك الناي المغرد، الناي الذي لخص في أنَّاته أشواق الشباب وحزن المشيب..
ومضى الراوي يقص علينا ونحن ننصت خاشعين، لقد كان يتحدث بيننا، نحن جلوس، لكن صوته في الواقع كان يأتينا من مكان بعيد من فراغات هذا الكون.
قال:... لقد كان شاباً غريباً، يجوب ذاك الأرخبيل كلما أتى المساء،وكان وهو يدفع تلك العربة الصغيرة التي يبيع عليها الأمشاط والمرايا، لا يبدو عليه التعب ولكنه الحزن النبيل، حزن الشعراء، وذوي النفوس الكبيرة، كان على الدروب يرمي بثقل جسده الضعيف على العربة الصغيرة التي يدفعها فتبدو وكأنها هي التي تقوده إلى حيث تشاء وكان إذا نودي من تلك الشرفات العالية، توقف برهة ورفع بصره إلى السماء وحلق به في الآفاق كأنه يبحث عن وديعة في قبة الكون وكأن الصوت يأتيه من مكان ما من هذه القبة حتى إذا ما انتفض الصوت في طيف مليحةٍ تتسربل في حياء أنوثتها، باعها مالديه من بضاعة الزينة بلا اكتراث ثم مضى على الدروب.
كان ذلك شأنه، يوزع على الغيد المليحات تلك الأمشاط وهاتيك المرايا، بثمن وبدون ثمن، كان لا يسأل ولا يجادل في ثمن، إن أُعطِي أخذ بلا اكتراث وإلا فأعطى ومضى، لله ما أكثر المليحات في ذاك الأرخبيل، لكن مليحة واحدة ظل يحملها حزناً جميلاً بين الحنايا والضلوع، فكان إذا ماوقف تحت شرفتها وتطلع بعينيه السماويتين إلى ذلك المكمن الصغير الذي يشبه الهلال، تلك الأرجوحة الجميلة الناعمة المعلقة في فضاء القلعة حيث أطلَّت حبيبته أول مرة ورآها، في مساء كذلك المساء ومكان هو ذاك المكان، لقد رأى أول مارأى تلك الستائر الوردية الحالمة، كانت متدلية ومعقودة على جانبي الشرفة، لقد بدت لعينيه هذه الشرفة في ذاك المساء أرجوحة من أراجيح الجنة لا تمت بصلة إلى تلك القلعة المحضة التي تشمخ بقسوتها في فضاء الإنسانية..
وأطلت فينوس... كانت كائناً عذباً عذوبة صوت نايٍ متقطع يأتي من آخر الدنيا وأقاصي الكون. لقد كانت طيفاً حالماً كحقل من البنفسج والياسمين يفيق إثر يوم ماطر، ولفينوس جسد شفاف يعانق شفافية أرديتها عناق محموم.
نحن أيضاً كنا أربعة أشباح وخامسنا الليل حينما تكلم الراوي.. لقد قال: البحر كان يعلم ويبارك، والجزر الأربع والسماء، لكن الناس في تلك القلاع العائمة يكرهون الحب بل يكرهون حتى الشعراء.. وقالوا: قد أحبت شاعراً صعلوكاً لا يملك من حطام الدنيا غير خرج محشو بالكتب والكراريس.. فهل عجزت الدنيا عن أن تلد غير الشعراء.. الشعراء فقراء.. كلهم صعاليك، رأسمالهم هذه البضاعة الفاسدة التي اسمها الحب... وقال شيخ من بطانة السلطان -تجارة الشعراء كاسدة في البدء وبضاعتهم فاسدة منذ الأزل.
ومضى الراوي يقول، والليل لم يزل في أوله ونحن أربعة، والكون فقاعة كبيرة علمها عند علام الغيوب، ونحن أربعة.. لقد باح الليل بسر الهوى الفاضح وكذلك الجزر الأربع والسماء والبحر...
هل رآها بائع الأمشاط والمرايا في ذلك المساء.. لم يكن وجه فينوس مثل الوجوه، ولكنه الشوق النبيل إلى معانقة الكون بأسره.
وعيناها... رباه "هاتان لم تكونا عينين" ولكنهما النداء والصد، الإثم والغفران، الحياة والموت، وكان الشاعر البدوي يعرف تينك العينين وسر السماء المودع فيهما، شعرها كان ثملاً معربداً ومتعباً يود لو يستريح على كتف عاشق مذبوح.
هل عانق خصرها ساعة بائع الأمشاط والمرايا... لم يكن خصراً ولم يكن كشحاً هضيماً، ولكنه مشنقة يتأرجح من تحتها جسد غريب.
فينوس يارفاق الظلام.. امرأة الفجيعة والموت، وأنثى النداء المحموم والعويل، وفي ليل الصبوات والسأم تلتقي بكر وتغلب وعبس وذبيان، وقلوع الشاعر البدوي نشرت فأبحر في الدماء، والحب... الحب هذه الفجيعة والحسرة، الحب والموت صِنوان في بدء الخليقة، والتقت بكر وتغلب وعبس وذبيان، الحرب في الجزر الأربع والغريم واحد والقاتل على مرمى البصر والمقتول واحد، وفي قلب الموت شاعر مضرج بدمائه ويتلو.. ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني... وبيض الهند تقطر من دمي.
لكن الرماح السمهرية ظمأى للدم الملوث بالحب... لله ما أغلى دم الشاعر العاشق لقد مات ماهر البدوي.. قتلوه تحت شرفة الأميرة...
في ساعة توقف فيها البحر عن المد والجزر، وليس في الغابات طير يغني، لا يسمع للنهر خرير، لقد توقف الكون عن النمو تلك الساعة الرهيبة من الزمان، لقد ضاعت أنفاسه عبر الأثير، تلك الأنفاس المضمخة بعبير الضفاف والأودية البعيدة، لقد طالما بثها لفينوس عبر تلك القصبة السماوية، وذلك الناي المغرد، الناي الذي لخص في أنَّاته أشواق الشباب وحزن المشيب..
ومضى الراوي يقص علينا ونحن ننصت خاشعين، لقد كان يتحدث بيننا، نحن جلوس، لكن صوته في الواقع كان يأتينا من مكان بعيد من فراغات هذا الكون.
قال:... لقد كان شاباً غريباً، يجوب ذاك الأرخبيل كلما أتى المساء،وكان وهو يدفع تلك العربة الصغيرة التي يبيع عليها الأمشاط والمرايا، لا يبدو عليه التعب ولكنه الحزن النبيل، حزن الشعراء، وذوي النفوس الكبيرة، كان على الدروب يرمي بثقل جسده الضعيف على العربة الصغيرة التي يدفعها فتبدو وكأنها هي التي تقوده إلى حيث تشاء وكان إذا نودي من تلك الشرفات العالية، توقف برهة ورفع بصره إلى السماء وحلق به في الآفاق كأنه يبحث عن وديعة في قبة الكون وكأن الصوت يأتيه من مكان ما من هذه القبة حتى إذا ما انتفض الصوت في طيف مليحةٍ تتسربل في حياء أنوثتها، باعها مالديه من بضاعة الزينة بلا اكتراث ثم مضى على الدروب.
كان ذلك شأنه، يوزع على الغيد المليحات تلك الأمشاط وهاتيك المرايا، بثمن وبدون ثمن، كان لا يسأل ولا يجادل في ثمن، إن أُعطِي أخذ بلا اكتراث وإلا فأعطى ومضى، لله ما أكثر المليحات في ذاك الأرخبيل، لكن مليحة واحدة ظل يحملها حزناً جميلاً بين الحنايا والضلوع، فكان إذا ماوقف تحت شرفتها وتطلع بعينيه السماويتين إلى ذلك المكمن الصغير الذي يشبه الهلال، تلك الأرجوحة الجميلة الناعمة المعلقة في فضاء القلعة حيث أطلَّت حبيبته أول مرة ورآها، في مساء كذلك المساء ومكان هو ذاك المكان، لقد رأى أول مارأى تلك الستائر الوردية الحالمة، كانت متدلية ومعقودة على جانبي الشرفة، لقد بدت لعينيه هذه الشرفة في ذاك المساء أرجوحة من أراجيح الجنة لا تمت بصلة إلى تلك القلعة المحضة التي تشمخ بقسوتها في فضاء الإنسانية..
وأطلت فينوس... كانت كائناً عذباً عذوبة صوت نايٍ متقطع يأتي من آخر الدنيا وأقاصي الكون. لقد كانت طيفاً حالماً كحقل من البنفسج والياسمين يفيق إثر يوم ماطر، ولفينوس جسد شفاف يعانق شفافية أرديتها عناق محموم.